نزهة صادق تكتب: كوميديا حسن الفد نموذج أنثربولوجي لتعرية حقائق المجتمع
نزهة صادق
الفنان حسن الفد هرم وله تجربة كبيرة جدا في مجال الكوميديا، كلما نظرتُ إلى أعماله أرى أنني أمام باحث أنثربولوجي يعري الحقائق ويهدم نسقها ليس بمطرقة نيتش، بل بابتسامة تتجلى من خلالها القوى الناعمة وتطفو معها فلسفة وأنطولوجيا لا يدركها إلا من عرف أن السؤال الكوميدي ليس مجرد صيغة استفهام، بل هو بناء يمكنه أن يجيب على بعض أسئلة الوجود لأن “الإنسان حيوان ضاحك” حسب قول المعلم الأول أرسطو طاليس.
إن قدرة الفد على أن يكون سبينوزيا في بعض مراحل وجوده، تتجلى عندما أعلن في تاريخ الكوميديا بالمغرب على أن فصل الضحك عن السخرية لا يمكنه إلا أن يكون أخلاقيا راقيا كرقي الفنان الفد.
تعودنا مع حسن الفذ على أن يأتينا دائما بالجديد، وسافرنا معه في السنوات الأخيرة بين شخصيات متنوعة تتوزع بين دوائر العوام والخواص وخاصة الخاصة، وما ميز هذا الفنان هو أنه حقا فد في تقمص الشخصيات مبناً ومعنا، وكأنه عندما يحاكي الواقع بنظرة باحث يشرحه تشريحا ليكشف عن أغواره.
في السنوات الأخيرة رأينا أيضا الفد في الكوبل، الدور الذي خاطب فيه المغاربة من خلال شخصية كبور، الشخصية التي لا نعتبرها الذات مفكّرة واليقين الأوّل والجوهر الوحيد الذي لا يُمكن تسريب الشك إليه، ففناننا المتمكن من خيوط فنه في كل لحظة من التاريخ ينسج لنا ثوبا جديدا ويلبسه ألوان البهجة ليقول إن المغرب بلد التعددية بامتياز، وأن كبور بناني السميرس ليس صيغة كانطية مفادها أن المفاهيم شديدة الارتباط بالحدوس، على عكس ذلك تماما فإن كبور بناني السميرس وظيفة رمزية لا تبقى عند دائرة ما يمكن أن يدرك بالحدس، وإنما تغامر بدلالتها نحو ما هو سامي في الفكر.
بما أن كبور عاش مع الفد لسنوات، وأن فناننا يتنبي فلسفة هيجل؛ أي أن الشيء الذي لا يتغير هو التغيير، فغالبا ما يفاجئنا بأفكار وشخصيات جديدة، شخصيات تعكس الواقع بحلوه ومره، وما الطوندونس إلا تشريح لمرتزقة اليوتوب وقطيع المجتمع الاستعراضي، هذا التشريح لم يقبله بعض من يسمون أنفسهم صحفيين متخصصين في مجال الهزل، هؤلاء كان انتقادهم للفد سطحي ويتبنى لغة الهاش تاغ، وكأنهم يبحثون من وراء اسم وتاريخ الفد شهرة جديدة، نعم إنها أخلاق العبيد، أي عندما يحلم العبد في التماهي مع سيده ولا قدرة له على ذلك.
لا يمكن القول على أن كل التي ينتجها البشر كاملة، لكن بعضها تتسم بالكمال حينما تغرق في الحيثيات، فالتدقيق في صغائر الأمور هو من يكمل كبائرها، وفي معظم الأعمال التي يترأسها أو يتبناها الفد نرى خلفيات لا تفوت في الغالب أبسط الحيثيات، نعم إنه الفن بصيغة الفد.
الحلقة الأولى من الطوندونس تضعنا أمام بورتريه أتقنه الفد بشكل سريالي، من الوشم إلى حركات اليد، إلى اللغة التي تحمل في كلماتها معنا معبرا عن نسق معين وعن مرجعية، الفد حاول من خلال عمله الجديد “الطوندونس” أن يؤكد على إخلاصه لفلسفة هيجل من جهة التي تتبنى للتغيير من جهة، وعلى يلفت انتباهنا اليوم على أن أبطال الطوندونس ما هم إلا صيغ مركبة للمجتمع في طريق البحث عن ذاته…
تابعوا آخر الأخبار عبر واتساب
انضم إلينا واحصل على نشراتنا الإخبارية