نادية الرمضاني تكتب: كورونا تزيح الستار عن حقيقة الفروقات الكامنة بين المرأة والرجل في المجتمع المغربي”
لا يعتبر وباء كورونا عدو كوني قاتل فرض وجوده عبر العالم، بل هو أيضا محطة من محطات التاريخ لإعادة ترتيب الأوراق والأولويات على عدة مستويات: مجتمعية، إنسانية، بيئية، اقتصادية، سياسية وحتى على مستوى العدالة والقوانين، هو أيضا مرحلة تستدعي تغيرا في نظرتنا ومقاربتنا التحليلية لمواجهة الفيروس؛ أي التفكير في حلول عقلانية تأخذ بعين الاعتبار المجال الصحي وتؤسس لثقافة المساواة، خاصة أن Covid-19 عرى عن الفروقات بين المرأة والرجل في المجال الطبي، إذ أنه من النادر ما يتم تسليط الضوء على جنود الخفاء، هؤلاء النسوة اللواتي ضحين بوقتهن وطاقتهن لإنقاذ أرواح كثيرة.
لا أحد ينكر أن فيروس كورونا شل معظم قطاعات التنمية في البلاد ومس فاعلين في مجالات مختلفة، إلا أن مقاربة الموضوع والتطرق إليه لازالت تشوبها العديد من الشوائب، خاصة على مستوى مقاربة النوع، فبالإضافة إلى عدة تقارير رسمية أصدرتها وزارات ومنظمات دولية ومجتمع مدني أكدت بأن الفروقات بين الجنسين في المغرب واضحة للغاية في جميع القطاعات: التعليم والصحة والاقتصاد والبيئة والسياسة وما إلى ذلك، جاءت كورونا مرة أخرى لتؤكد لنا التمييز الذي يطال النساء، ولعل ما تواجهه النساء الجنود المجندة في القطاع الصحي لأكبر دليل على ذلك؛ إذ على الرغم من كل التضحيات والأدوار التي تقمن بها كل من طبيبات، ممرضات وعاملات النظافة في المجال الطبي داخل وخارج بيوتهن، لازلن يعملن في الظل ولا يتم الحديث عن التضحيات التي قدمن، وإن تم التطرق إليها فيتم بشكل فلكلوري وعابر.
أما على مستوى القطاعات الغير هيكلية فقد فقدت العديد من النساء العاملات وظائفهن، من دون أن يحلمن بظروف أفضل لاستعادة عملهم أو حتى توفير ظروف أمان أفضل لهم أو أمل لاستعادة وظائفهن غير المستقرة، ونظرا لكل هذه الظروف وللسياق الاجتماعي والجغرافي، تحارب النساء المغربيات اليوم وتقاوم ضد أكبر أزمة صحية في التاريخ الحديث، لكن بأسلحة غير متكافئة.
ولم تقتصر الدراسات على تبيان الفروقات التي تعيشها النساء، بل أوضحت العنف الذي تعرضت له فئة كبيرة خلال هذا الحجر الصحي، والذي لم تكتفي مجموعة من المنظمات المجتمع المدني ومؤسسات تابعة للدولة بالتنديد به، بل قدمت مساعدات بأشكال مختلفة للنساء ضحايا العنف، بما في ذلك جلسات الاستماع والمشورة والدعم النفسي، وخدمات التوجيه عن بعد، والتشبيك بالتنسيق مع الجهات والمؤسسات الفاعلة الأخرى؛ ولم تقف عند هذا الحد بل أيضا ساهمت في إنتاج الكثير من المحتوى الإعلامي لرفع مستوى الوعي بشتى أشكال العنف ضد النساء والفتيات في المغرب.
تعاني المرأة إجمالا في مرحلة كورونا من إشكالات مزدوجة، من جهة فهي الأكثر تأثراً بعواقب الوباء، لا سيما في بلدان الجنوب، ومن جهة أخرى تعد النساء الأكثر تعرضا للمخاطر باعتبارهن في خط المواجهة في المجال الطبي، على المستوى المغربي فتمثل النساء نسبة كبيرة من العاملين في المجال الصحي إذ يمثلون 57٪ من الطاقم الطبي، و 66٪ من المساعدين الطبيين، و64٪ من موظفي الخدمة المدنية (المساعدات الاجتماعيين)، ودون أن ننسى الأعمدة المساعدة للعاملين في القطاع الصحي وهن عاملات النظافة، هؤلاء البطلات هن جنود الخفاء، كما أنهن نساء يحاربن على عدة أوجه؛ إنقاذ أرواح الناس والاعتناء بعائلاتهن وأطفالهن… واجبات تشكل عبئا كبيرا يستدعي الاعتراف به والانحناء له تقديرا وإجلالا.
بغية تسليط الضوء على هؤلاء البطلات، ارتأت جمعية نساء من أجل التعددية والسلام، إطلاق مشروعها الجديد “هي في المستشفى”، المشروع الذي سيعتمد توزيع أدوات طبية على العاملات في هذا المجال في مستشفى بمدينة تمارة، كما سيسلط الضوء على مجهوداتهن في الإدارة اليومية للوباء تقديرا لكل التضحيات التي قدموها في سبيل هذا الوطن، المشروع هو أيضا مناسبة لتغير نظرتنا، مقاربتنا وتحليلنا لوضعية المساواة في المغرب، وفرصة لإعادة بناء نسق جديد لترسيخ ثقافة المساواة والاعتراف بجنود الخفاء من طبيبات، ممرضات، وعاملات نظافة.
تابعوا آخر الأخبار عبر واتساب
انضم إلينا واحصل على نشراتنا الإخبارية