محمد باباحيدة يكتب: الإعلام وصناعة “آكلي الثوم”!
“ما فيش إعلام في سبيل الله”، مقولة كان يرددها الصحافي المصري الراحل محمد حسنين هيكل في كثير من حلقاته، ومعنى ذلك أنه لا يوجد إعلام بدون أجندات، ولا وجود لمؤسسات تمارس الإعلام من أجل الإعلام فحسب، لأن الهدف الأساسي من وجودها هو التأثير، سواءً في الرأي العام أو في السياسات العامّة، بحسب المصالح الاقتصادية، أو السياسية، أو الإيديولوجية لمالكي هذه المؤسسات، الذين لهم الحق الكامل في وضع التوجهات الكبرى للسياسات التحريرية، وهم أيضاً من يرسمون الخط التحريري للوسيلة الإعلامية.
وحتى لا يُفهم من هذا أنه تعميم مبالغ فيه فإن حتى المؤسسات الإعلامية التي يمتلكها أشخاص بخلفية إعلامية صِرفة، فإنهم يظّلون مقيدين بالقوة القاهرة لـ”الإشهار”، وبالتالي الخضوع بشكل من الأشكال لأصحاب الأهداف السياسية والاقتصادية.
من أجل تحقيق التأثير وتوجيه الرأي العام في قضية مُعيّنة، تعمل وسائل الإعلام على “صناعة” رموز يتمّ تقديمها لهذا “الرأي العام” على أنها شخصيات مهمّة و”عندها ما تقول” في قضية ما، وقد يكون هذا الشخص المُراد “ترميزه” إنساناً عادياً جداً، وليست له أي مؤهلات تجعل منه شخصاً جذيراً بالظهور البارز في الإعلام، إلا أن القائمين على السياسة التحريرية يرون فيه مؤهلات أخرى، كالرغبة الجامحة في الظهور، والاستعداد لدفع “ثمن” الظهور، والقدرة على لعب الدور الذي سيُرسم له، وكل هذا يُشكّل “المادة الخام” التي تساعدهم على توظيفه لصالحهم.. إذن كيف يتم ذلك؟ !
لنفترض، على سبيل المثال، أن هناك خلافاً سياسياً أو أيديولوجياً أو اقتصادياً بين فئتين، إحداهما تمتلك وسائل إعلام، تستخدمها لضرب الفئة الأخرى، بطريقة لا يُستعمل فيها الرأي أو الخِطاب المُباشر، وإنما توظيف أدوات أخرى أكثر نجاعة ومصداقية، من خلال البحث عن أشخاص قادرين على الإدلاء بتصريحات وحوارات وتوجيه اتهامات ضد الطرف الآخر في الصراع، وفي حال ما وُجدَ هذا الشخص، فإن الأضواء ستُسلّط عليه بشكل مكثّف، ومن أكثر من وسيلة إعلامية، حتى يُعطى الانطباع للجمهور بأن هذا “الشخص فعلاً مشهور، ويجب أن تُنصتوا لما يقوله”، وبالتالي فرضُه قسراً على الجمهور على أنه “رمز”.
القائمون على السياسات التحريرية، في الغالب أناس أذكياء، ويعرفون متى وكيف يُوظفون أمثال هؤلاء لصالحهم، ومتى يتخلّون عنهم أيضاً، لأن الجندي لا يحتفظ بالرصاصة الفارغة. لذلك، فعندما يتحقق الغرض من هذا الذي تمّ ترميزه، وتُغلق القضية، تمر الوسيلة الإعلامية إلى قضايا أخرى، حسب السياق والمصالح التي يقتضيها، ثمّ يُترك الشخص ليواجه واقعه الجديد بعد الشهرة وبعدما “أُكِل الثوم بفمه”.
تابعوا آخر الأخبار عبر واتساب
انضم إلينا واحصل على نشراتنا الإخبارية