عزيز إدامين يكتب: بروتوكول إسطنبول يسقط تقرير الخبرة في قضية هاجر الريسوني
بداية أسجل الاعتزاز بوجود أطباء في حجم الدكتور هشام بنيعيش بالمغرب، وضميره الحي للإدلائه برأي يخص انتهاك حقوقي سافر.
ما سجله الدكتور انطلاقا من الدستور والقانون رقم 131.13 المتعلق بمزاولة مهنة الطب، يتطابق تماما مع التشريعات الدولية، وأخص بالذكر بروتوكول اسطنبول، كدليل التقصي والتوثيق الفعالين للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، وأيضا الاتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب والبروتكول الملحق بها.
أولا: تقرير الخبرة الطبية لا يستجيب للمعايير الدولية
التشريعات الدولية صارمة جدا في مسألة “العبث” في الجهاز التناسلي للمرأة أو “التبقشيش” في رحمها.
بالعودة لبروتكول إسطنبول، حتى وفي حالة أن امرأة ادعت تعرضها للاغتصاب، فإنه يوصي بخصوص ” فحص الأعضاء التناسلية للمرأة”، على أنه “من غير المقبول بتاتا في بعض الثقافات اختراق مهبل المرأة البكر بأي وسيلة، بما في ذلك اختراقه بالمنظار أو بالإصبع أو بمسحة” (الفقرة 227)، هذه حالة امرأة ادعت تعرضها للاغتصاب وما بالك، أن تكون السلطات العمومية هي من طلبت ذلك.
وأيضا فيما يخص “الجهاز البولي التناسلي”، يرى البروتكول أنه “لا يجـوز فحـص الأعضاء التناسلية إلا بموافقة المصاب، وينبغي إذا اقتضى الأمر إرجاء هذا الجانب من الفحـص إلى موعد لاحق، ولا بد من حضور رقيب إذا كان نوع جنس الطبيب مختلفا عن نوع جنس المصاب”. (الفقرة 185).
يضاف إليه أن المسطرة الكشف محددة بتدقيق “بعـد استيفاء المعلومات عن خلفية الحالة والحصول على موافقة المصاب الصادرة عن علم، ينبغي إجراء فحص طبي كامل يقوم به طبيب مؤهل. وينبغي كلما أمكن تمكين المصاب من اختيار نوع جنس الطبيب وكذلك المترجم الشفوي إن كان سيستعان به. وإن لم يكن نوع جنس الطبيب مماثلا لنوع جنس المصاب، وجب حضور رقيب من نفس نوع جنس المصاب إلا إذا كان لدى المصاب أي اعتراض على ذلك، ويجب أن يدرك المصاب أنه سيد الموقف وله الحق في الحد من الفحص أو وقفه في أي وقت” (الفقرة 173).
من خلال هذه العناصر فإن الإرادة المنفردة للشخص الذي يجرى عليه الكشف، وملزم أن يعبر عن قبوله بشكل صريح وعلمي، وحسب تصريحات السيدة هاجر فإنه تم إجراء الكشوفات ضدا على إرادتها، ولم تطالب بها، وقد يقول قائل أنها لم تعترض، ولكن القانون الدولي يصر على الإعلان الصريح عن القبول من قبل المعنية، وبالمخالفة، فعدم الإعلان الصريح هو رفض ضمني لهذه الكشف.
السؤال الذي يطرح نفسه، هل الطبيب أو الطاقم الطبي المداوم الذي قام بإنجاز الكشف، أخبر السيدة هاجر بحقها في الرفض؟ هذا ما لا نجده في أي محضر أو تقرير مما يشكل انتهاك لحقها في حرمة جسدها.
وبالتالي يمنع مطلقا على أي كان طبيب عادي أو طبيب شرعي أو غيرهما لمس الجهاز التناسلي لامرأة، وحتى إذا كان ذلك للضرورة القصوى مع موافقة صريحة للمعنية، فالفصل الرابع من بروتكول إسطنبول (الفقرة 123) تحت عنوان “الضمانات الإجرائية لصالح المحتجزين” ينص على ما يلي:
أولا: ” ينبغي أن يكون تقييم الطب الشرعي للمحتجزين قائما على طلب رسمي صادر من أعضاء النيابة العامة أو غيرهم من المسؤولين المختصين، أما طلبات التقييم الطبي الصادرة من الموظفين المكلفين بإنفاذ القانون فتعتبر باطلة ما لم تكن مبنية على أوامر كتابية من عضو في النيابة العامة”. في المقابل، نجد أن من قدم الطلب للطبيب الشرعي هو عميد الشرطة رئيس الفرقة الاخلاق العامة بالرباط، وهذا منافي تماما لأحكام البروتوكول، أي الأمر غير صادر عن النيابة العامة أو جهة قضائية.
ثانيا: “ينبغي أن يكلف بمرافقة المحتجز إلى الفحص الطبي الشرعي موظفون لا يكونون من الجنود أو أفراد الشرطة لأن … حضورهم معه قد يضع المحتجز أو الطبيب تحت ضـغوط إكراهية غير مقبولة تستهدف الحيلولة دون التوثيق الفعال للتعذيب أو إساءة المعاملة” ونحن أمام نفس الجهة الأمنية، التي هي في هذه الحالة خصم وحكم في نفس الوقت.
ثالثا: “ينبغي أن يكون الموظفـون المشرفون على نقل المحتجز من المسؤولين أمام النيابة العامة لا من المسؤولين أمام موظفين آخرين من المكلفين بإنفاذ القانون”، ونحن تابعنا حسب البلاغات التي نشرت أن نفس الجهاز الأمني هو من أشرف على جميع مراحل النقل.
رابعا: “يتوجب حضور محامي المحتجز عند طلب فحصه وعند نقله بعد انتهاء الفحص، ومن حق المحتجز أن يحصل على تقييم طبي ثانٍ أو بديل من طبيب مؤهل، سواء تم ذلك أثناء فترة الحجز أو بعد انقضائها”، وهذا العيب المسطري لازالت المسطرة الجنائية مخالفة لمعايير المحاكمة العادلة فيما يتعلق بالاحتجاز أثناء الحراسة النظرية.
بعد هذه المعطيات الدقيقة المتعلقة بالإحضار إلى مصحة أو المستشفى، فإن المعايير الدولية تنص على أنه : “بعـد استيفاء المعلومات عن خلفية الحالة والحصول على موافقة المصاب الصادرة عن علم، ينبغي إجراء فحص طبي كامل يقوم به طبيب مؤهل. وينبغي كلما أمكن تمكين المصاب من اختيار نوع جنس الطبيب وكذلك المترجم الشفوي إن كان سيستعان به. وإن لم يكن نوع جنس الطبيب مماثلا لنوع جنس المصاب، وجب حضور رقيب من نفس نوع جنس المصاب إلا إذا كان لدى المصاب أي اعتراض على ذلك . ويجب أن يدرك المصاب أنه سيد الموقف وله الحق في الحد من الفحص أو وقفه في أي وقت (” ( الفقرة 173 من بروتوكول إسطنبول).
لنطرح السؤال هل فريق المداومة السبعة أطباء اختارتهم السيدة هاجر الريسوني أم فرضوا عليها؟ وهل تحمل الأطباء المسؤولية في إخطار السيدة هاجر أن من حقها اختيار الجنس أي الطبيبة للكشف عنها أم صمتوا؟ وهل كانت السيدة هاجر سيدة موقفها باختيار إجراء الفحص أو رفضه؟
كل ما سبق يدفع في اتجاه القول أن السيدة هاجر كانت مكرهة على إجراء الفحص داخل رحمها وبين أعضائها التناسلية في ضرب بعرض الحائط كل أخلاقيات وقواعد الطب الشرعي.
ثانيا: المسؤولية المباشرة للطبيب
الطبيب يجب أن يكون مستقل عن الجهاز الأمني، وإلا أصبح شريك في “جريمة التعذيب”، فالفقرة 53من بروتكول إسطنبول تنص على ” وتشمل “المشاركة في التعذيب” تقييم قدرة فرد على تحمل إساءة المعاملة … كما تجسد مبادئ الأمم المتحدة إحدى القواعد الجوهرية لأخلاقيات الرعاية (52) تشريح الجثث وشهادات الوفاة الصحية بتوكيدها أن العلاقة الوحيدة المسموح بها من الوجهة الأخلاقية بين المسجونين وممارسي المهن الصحية هي العلاقـة الـتي يكـون القصـد منها تقييم وحماية وتحسين صحة المسجونين. وبذلك فإن تقييم الحالة الصحية للمحتجزين بقصد تيسير العقاب أو التعذيب إنما هو أمر مخالف بجلاء لآداب المهنة”.
وهنا فإن الأطباء الذين أجروا الخبرة، تجاوز علاقته بالسيدة هاجر من الحماية في جسدها إلى المشاركة في إدانتها عبر “النهش في جسدها” من أجل البحث عن دليل إدانتها أمام جهاز الدولة القوي في مقابل حالة إنسانية في وضعية ضعف.
في ذات السياق، تضيف الفقرة 63 من بروتكول اسطنبول” إن كانت الإعلانات التي تعبر عن واجب الرعاية تبرز كلها الالتزام بالتصرف على النحو الذي يخدم على أفضل وجه مصالح الفرد الجاري فحصه أو علاجه، فإن في هذا افتراضا بأن ممارسي المهن الصحية يعرفون حقيقة مصلحة المريض المثلى، على أن من المفاهيم التي أصبحت أساسية جدا في آداب مهنة الطب في العصر الحديث أن المرضـى أنفسهم هم خير حكم في أمر مصلحتهم، وهذا يقتضي من ممارسي المهن الصحية إعطاء أسبقية طبيعية لرغبات المريض الراشد الكامل الأهلية على آراء أي شخص ذي سلطة حول ما هو أفضل لذلك الفرد، ويتجلى هذا المعنى في إعلان لشبونة الصادر عن الجمعية الطبية العالمية وبيان المجلس الدولي لممارسي التمريض عن دور ممارسي التمريض في صون حقوق الإنسان.
وأخيرا نسائل الطبيب الدكتور سمير بركاش، الذي أنجز الشهادة الطبية المنجزة بتاريخ 3 شتنبر 2019، والتي ورد فيها معطيات شخصية لا علاقة لها بموضوع النازلة، من قبيل الإجهاض السابق قبل 6 أشهر وغيرها، ما قوله من ميثاق إسطنبول الذي نص فق فقرته 65 على ” إن جمـيع مدونات آداب المهنة منذ يمين أبقراط وحتى العصور الحديثة تتضمن واجب الكتمان والحفاظ على السرية باعتباره واجبا جوهريا، وهذا المبدأ تبرزه كذلك الإعلانات الصادرة عن الجمعية الطبية العالمية، مثل إعلان لشبونة.
في شرع بعض البلدان، تعلَق أهمية بالغة على ضرورة التزام السرية المهنية حتى إنه ينص عليها في صلب القانون الوطني. وواجب السرية ليس مطلقا بل يجوز الخروج عنه على نحو يظل متمشيا مع آداب المهنة في بعض الظروف الاستثنائية، وذلك حين يترتب على الامتناع عن الإفشاء ضرر فادح بالناس أو إفساد بالغ للعدالة.
غير أنه لا يجوز عموما التخلي عن واجب كتمان المعلومات الصحية الشخصية التي تكشف عن هوية المريض إلا بإذن صادر منه عن علم صحيح” وتضيف نفس الفقرة ” والمآزق تنشأ عند وقوع ضـغط عـلى ممارسي المهن الصحية بهدف حملهم على إفشاء معلومات تتيح الكشف عن الهوية ويكون من المرجح أهنا ستعرض مرضاهم لضرر أو عندما يستلزم القانون مثل هذا الإفشاء.”
في هذه الحالات تبرز الالتزامات الأخلاقية الجوهرية القاضية بمراعاة الاستقلال الذاتي وخدمة مصالح المريض المثلى وفعل الخير وتجنب الضرر، وهي تعلو على كل اعتبار آخر، وعـلى الأطباء أن يوضحوا في هذه الحالات للمحكمة أو للسلطة طالبة المعلومات أنهم ملتزمون بواجبات مهنية تفرض علـيهم الكـتمان، ويحـق لممارسي المهن الطبية الذين يستجيبون على هذا النحو أن يعتمدوا على تأييد جمعيتهم المهنية وزملائهم، كما أن القانون الإنساني الدولي يبسط في فترات النزاع المسلح حماية خاصة للسرية والكتمان في علاقة الطبيب، فممارسو المهن الصحية مشمولون بحماية من حيث بالمريض، مقتضيا من الأطباء عدم الوشاية بأي مرضى أو جرحى إنه لا يجوز إرغامهم على الإفشاء بمعلومات عن مرضاهم في مثل هذه الظروف”
إذن فالأطباء الذين أشرفوا على إنجاز تقاريرهم أو شهاداتهم لم تراعى فيها المصلحة الفضلى للسيدة هاجرة، وشاركوا إلى جانب الجهاز الأمني والنيابة العامة التي نشرت بلاغ تدين فيها الصحفية هاجر بمقتضى ما توصل له هؤلاء الأطباء ، كلهم متورطون في المعاملة الحاطة بالكرامة واللاإنسانية للسيدة هاجرة الريسوني.
ثالثا: مداخل الحماية من المعاملة اللاإنسانية والحاطة بالكرامة
المدخل الأول، وهو أيضا الامتحان الأول، لآلية الوقائية من التعذيب “MNP” التي تم إنشاؤها بمقتضى قانون رقم 76.15، والمتعلق بالمجلس الوطني لحقوق الانسان، حيث تم احداث هذه الالية بعد مصادقة المغرب على بروتكول مناهضة التعذيب “OP-CAT”، هذه الآلية من اختصاصاها التدخل الفوري لإيقاف هذا الانتهاك وتعويض الصحفية هاجر الريسوني، وأعتقد أنه أول ملف سيكون على طاولته بعد تنصيب أعضائه بتاريخ 21 شتنبر 2019.
المدخل الثاني، مرتبط بالمدخل الأول، أي اللجنة الفرعية المعنية بمناهضة التعذيب SPT، وهي اللجنة التي لها علاقة عضوية بالالية الوقائية من التعذيب.
وللاشارة فالآلية الوقائية من التعذيب واللجنة الفرعية المعنية بمناهضة التعذيب، دستورهما معا هو بروتوكول إسطنبول، لكون المعايير الثابتة أن الصحفية هاجر الريسوني تمت معاملتها بشكل منحط ولا إنساني، قد يرتقي إلى مستوى التعذيب إذا لم تفتح الجهات المختصة تحقيقا.
المغرب صادق على البروتكول الاختياري لمناهضة التعذيب، مما يجعل تقرير الخبرة في شأن قضية هاجر الريسوني، سواء لصالحها أو ضدها، باطل وغير ذي موضوع.