سعيد نعيم يكتب: هجرة الأدمغة المغربية.. هل ستنتهي بعد الكورونا؟
سعيد نعيم: مهندس معلوميات مقيم في فرنسا
عرف العالم هجرات على مر العصور بإختلاف الأقوام والدُّول، منها ما كان فرديّاً، ومنها ما كان جماعيّاً، حيث اختلفت مُسبِّباتها، غاياتها وتداعياتها وتُعتبَر ظاهرة هجرة الكفاءات، والأدمغة إحدى هاته الهجرات و تُطلَقُ على هجرة الأكاديميّين الذين يمتلكون مهاراتٍ ومواهبَ عالية، إضافة إلى الأطبّاء، والعلماء، والمُهندِسين والمُتخصِّصين في الدراسات الماليّة من البلدان النامية إلى البلدان المتقدمة ، وهي تحدُثُ بسبب الاضطِّرابات الاقتصاديّة داخل دول المنشأ حيثُ يُضطرُّ الأشخاص فيها إلى البَحث عن فُرَصٍ مهنيّةٍ تُوفِّرُ لهم مستوى مَعيشيّ أفضل، حيثُ يشاركُ هؤلاء الأشخاص في رَفعِ المُستوى الاقتصادي للدُّوَلِ المستقبلة ، من خلال مشاركتِهم خبراتهم ومعارفهم والمساهمة في أداء الضرائب ممّا يُؤثِّرُ سَلْباً على الدُّوَلِ التي ينتقلون منها لأنَّها تَخسرُ العناصرَ الأكاديميّة والتكنولوجيّة ويرجع ذلك أيضا لتطبيق البلدان الصناعية سياسات انتقائية للهجرة وتعتبر هاته الظاهرة ليست بالجديدة وتعود لعام 1950 BRAIN DRAIN ، حيت غادر عدد كبير من العلماء والمهندسين البريطانيين إلى دولة العم سام من أجل تحقيق الحلم الأمريكي AMERICAN DREAM .
هجرة الأدمغة بالمغرب
تعد هجرة الأدمغة والكفاءات من المغرب من أهم وأخطر المشاكل التي تواجه تقدمه وإزدهاره بحيت أعلن سعيد أمزاري وزير التعليم والتكوين المهني في يناير 2019 ان أكثر من 600 مهندس يغادرون البلاد سنويا من بينهم المختصون في نظم المعلوميات وإحصاء فرنسا لـ 7 آلاف طبيب مغربي.
كما أقر محمد أمكراز، وزير الشغل والإدماج المهني، بوجود وكالات تشغيل تساهم في هجرة الأدمغة، واليد العاملة المؤهلة إلى الخارج، بطريقة «سرية»، منفلتة من أي رقابة حكومية، ما جعل الوزارة تستعين بجهاز التفتيش، لفرض طريقة رسمية في التعامل مع هذه الظاهرة، عبر توقيع إتفاقيات تحمي الكفاءات المغربية.
ولكن إذا كنا نؤمن بحرية الأفراد في الهجرة ،فيجب عل الأقل فرض ضرائب عن هجرة الأدمغة على الدول المستقبلة لأنها تبقى الطرف الوحيد المستفيد من خيرة النخبة وبدون أية تكلفة كما يجب أن نفكر مليا في سياسة العودة علما أن التعلق العاطفي والثقافي لهاته النخبة ليس كافياً ويجب أن تكون مدعومة بحوافز إقتصادية وبيئة إستثمارية مناسبة. وهذا يعني مراجعة من قبل المؤسسات المختلفة لتصورها للدور الحالي للمهاجرين.
كما يجب تحفيز هاته النخبة المتميزة من أجل البقاء بأرض الوطن لكي تساهم في إنجاز المشاريع التنموية والمضي قدما بالاقتصاد المغربي ،على سبيل المتال فيما يخص المغرب الرقمي الذي خصص له غلاف مالي ضخم حوالي 1950 مليار سنتيم في حين أن نسبة الإنجاز لم تتجاوز 38 في المائة.
شخصيا أنا على يقين تام أنه لو تم توظيف الكفاءات المغربية التي هاجرت، لكانت نسبة الإنجاز لهذا المشروع أعلى بكثير وهكذا نكون قد حافظنا على نخبة مواردنا البشرية .
أسباب هجرة الادمغة
تعد هجرة الأدمغة سمة مميزة للعولمة و من المرتقب أن تشهد إرتفاعا بشكل كبير في المستقبل ولعل أبرز عواملها وجود فجوة إقتصادية بين دول الشمال ودول الجنوب إضافة إلى عدم وجود آليات ديمقراطية لضمان تكافئ الفرص بالمغرب وعدم قدرة الإقتصاد الوطني على تلبية طموحات من حصلوا على مؤهلات عالية المستوى مما نتج عنه البطالة الكلية أو الجزئية ، التي تُعزى في الغالب إلى عدم كفاية تنفيذ سياسات التوظيف ناهيك عن فشل نظام البحث العلمي الذي يتمثل في ضعف الأهمية الممنوحة للبحث العلمي بميزانية محدودة بحيت يمثل الإنفاق الإجمالي المغربي أقل من 0.3٪ من الناتج المحلي الإجمالي ، وهو أقل بكثير من المعدلات المسجلة في البلدان المتقدمة (2٪ في دول الاتحاد الأوروبي) وضعف وسائل التحفيز الفكري (المختبرات والمكتبات والجمعيات المهنية) .
علاوة على أسباب خارجية تتجلى في الطلب الدولي المتزايد على هجرة الأدمغة كما تلعب العولمة حاليا دورًا مهمًا في تسريع هجرة النخبة.
حسب دراسة قامت بها Rekrute.com في أبريل 2018 (تم إجراؤها على 1882 شخصًا) أن 91٪ من الخريجين المغاربة ،يرغبون في الهجرة. علما أن هذا الاستطلاع يشمل المغاربة الحاصلين على ثلاث سنوات من الدراسات العليا بعد البكالوريا على الأقل، غالبية هؤلاء في ريعان شبابهم بحيث تتراوح أعمارهم 25-34 بنسبة 47٪ ، و 65٪ من هؤلاء هم من رجال و 56٪ عازبون.
وفي الغالب درسوا في المغرب بنسبة 74٪. كما تجدر الإشارة أن 37٪ من المجيبين حاصلون على درجة الماجستير.
ومن دوافع رغبتهم في الهجرة حسب نفس التقرير، أعربت هذه النخبة عن رغبتها في الهجرة لضمان مستوى معيشي أفضل بنسبة 61٪ ، وتطوير مهني أفضل بنسبة 57٪ وبيئة عمل أفضل بنسبة 54٪ .
فيما يتعلق بالفئة العمرية أقل من 35 عامًا ، يأتي التطوير الوظيفي أولاً بنسبة 66٪ ، تليها نوعية الحياة 56٪ وبيئة العمل.
تكلفة التعليم بالمغرب
يهاجر عدد كبير من الخريجين المغاربة من أرقى المدارس الكبرى سنويًا ويقيم أكثر من 15 ٪ من الطلاب المغاربة في الخارج ، حوالي 50.000 طالب.
تجدر الإشارة ان هاته النخبة تكلف المغرب كلفة باهظة بحيث أن الدولة تخصص ميزانية لا يستهان بها من أجل التربية والتعليم وقد بلغت الاعتمادات المرصودة لقطاع التربية الوطنية برسم سنة 2020 59 مليارا و450 مليون درهم وفيما يخص الإعتمادات المرصودة لقطاع التعليم العالي برسم سنة 2020 بلغت 12 مليارا و574 مليون درهم .
إذا أخدنا على سبيل المثال المسار الدراسي للمهندس يكلف في المتوسط 95460 درهم (حوالي 12000 دولار) قبل ولوجه معهد الهندسة كما يكلف مهندس EMIا 144000درهم على مدى ثلاث سنوات ما مجموعه 432000 درهم.
مبادرات المغرب اتجاه المهاجرين
تحاول الدولة تشجيع المغاربة القاطنين بالخارج بمجموعة من المبادرات والبرامج منذ التسعينيات من أجل الإسهام في تنمية البلاد وتعزيز إنجازاتها
من بينها برنامج TOKTEN الذي بدأ في عام 1977 في حوالي 50 دولة وتتمثل مهمتها في تحديد المهاجرين ذوي الخبرات والمهارات العالية وإنشاء شبكة تمكنهم من تعزيز البحث والتطوير لصالح بلدانهم الأصلية. أسفر هذا البرنامج عن نتائج مشجعة في جميع أنحاء العالم ، كما هو الحال في الصين وتركيا ،إلا أن النتائج تبقى ضعيفة بالنسبة للمغرب بحيت أن الاجتماعين اللذين تم تنظيمهما بموجب هذا البرنامج في عام 1993 في الرباط وفي 1994 في الدار البيضاء لم يخرجا بنتائج مقنعة، إضافة لبرنامج FINCOME وهو مشروع حكومي يهدف لربط جسور التعاون والتواصل، تبادل الخبرات والمساعدة التقنية لدعم قطاعات التنمية في المغرب إضافة إلى المساعدة في إعداد خطط وبرامج التنمية ودعم المشاريع الإستثمارية للخبرات المغربية المقيمة بالخارج.
كما يسعى المغرب إلى تعزيز علاقاته بجاليته في الخارج لجعله أداة تنموية من أجل الاستفادة من خبراته لكي تساهم في تنمية مغرب الغد وجعل المغاربة القاطنين بالمهجر سفراء تنمويين في الخطوط الأمامية لتقوية العلاقات وتعزيز التعاون مع البلدان المضيفة.