زكرياء لزمات يكتب: تدبير الأزمات.. تدبير الخلاف .. توجيهات جلالة الملك وسؤال الكفاءة
عندما نشب الخلاف واحتدم الصراع بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفياتي حول احتمالية وجود صواريخ نووية في كوبا، كادت الحرب العالمية الثالثة أن تقوم، فانعقدت صفقات، كما قيل، في الخفاء، أطلق عليها بعد ذلك فن إدارة الأزمات، بعيدا عن الحرب واستبعادا لنشوب أي نزاع بالسلاح بين الأطراف. فكانت بداية انطلاقة هذا المفهوم من هنا.
فن (إدارة الازمات) الذي يعرف بكونه إدراكا للمشكل الحالي أو المحتمل وقوعه وتجنبه او محاولة التقليل من آثاره، هو من بين أهم السبل التي تنتهجها الدول المتقدمة لتجاوز المشاكل الاجتماعية والاقتصادية ولتجنب نتائجها السياسية محليا ودوليا.
قابلية التنبؤ بالأزمات وإمكانية التأثير فيها وعليها وفق تصنيف (Gundel , 2005) للأزمات في أنموذجه، وضح ذلك بالقول، أن إدارة الأزمة بنجاح بجانبيها الاعلامي والسيكولوجي يجب أن تسبقها الاستجابة الصحيحة والسريعة والاستثنائية منذ البداية.
لقد استوقفتني حالة الاحتقان التي طبعت منذ سنتين او أكثر مجالات وقطاعات حساسة، الأساتذة المتعاقدون وطلبة الطب ومشاكل أخرى لم تدبر بالشكل الصحيح، حيث جالت هذه الاحتجاجات عددا من المدن واستقرت في البرلمان بين يدي الحكومة، لكن بدون جدوى.
فأين المشكل اذن؟ ومن المسؤول الأول عن صناعة التوازن وخلق التوافقات بين شرائح المجتمع المختلفة؟
المبدأ الأول في إدارة الأزمة هو أن تجتمع أطراف المشكل التي على علاقة بالأزمة لتقرر كيفية التعامل معها، وهنا تظهر أول مشكلة لدينا، الاجتماع او التكتل من اجل مصلحة مشتركة وحل يرضي الجميع. فمشكل الأساتذة المتعاقدين كان من المفروض في الحكومة والجهات المختصة تقدير نسبة عمقه وقوته قبل وقوعه وحتى أثناء وقوعه، لكي تكون (الدراسة) السياسية والاجتماعية للأزمة متكاملة وجدية أكثر، أذكر هنا على سبيل المثال السيد وزير التعليم الحالي عندما خرج على الهواء مباشرة ليقول، أن التعاقد لا رجعة فيه، اتضح أن الخلل داخل مكونات الحكومة هو من يصرف الصراعات الاجتماعية، والخطب الاستفزازية لبعض السادة الوزراء تخلق الأزمة أكثر من محاولة تدبيرها والتقليل من صلابتها.
تطورت القضية وصارت الاحتجاجات يومية والمطالب ازدادت وصارت الأزمة في أوجها مع انضمام طلبة الطب والتمريض وكذا أطباء العيون في صراعهم مع (النظارتيين) للاحتجاج، ولكل واحد أزمة وأصبحت الحكومة أمام ثلاث أزمات حقيقية لابد أن تدبرها بالشكل الصحيح قبل تطور الأمور.
السؤال المطروح أين خبراء الوطن وأين فقهاء السياسة؟
قبل أن نجيب على هذا السؤال، لابد من التذكير بمجموعة من الخطوط العريضة التي وجهها صاحب الجلالة خلال خطاب العرش الأخير للحكومة بجميع مكوناتها وللأحزاب السياسية كذلك، بنفس الحدة والصرامة والرغبة الكبيرة في تغيير أشياء كثيرة.
أكد جلالته أن هناك عدد من الانجازات التي “لم تشمل، بما يكفي، مع الأسف، جميع فئات المجتمع المغربي. ذلك أن بعض المواطنين قد لا يلمسون مباشرة، تأثيرها في تحسين ظروف عيشهم، وتلبية حاجياتهم اليومية، خاصة في مجال الخدمات الاجتماعية الأساسية، والحد من الفوارق الاجتماعية، وتعزيز الطبقة الوسطى”.
وجدد جلالته التأكيد على عدم قدرة النموذج التنموي على “تلبية الحاجيات المتزايدة لفئة من المواطنين، وعلى الحد من الفوارق الاجتماعية، ومن التفاوتات المجالية”، معلنا في هذا السياق عن قرار إحداث لجنة خاصة بهذا النموذج “تشمل تركيبتها مختلف التخصصات المعرفية، والروافد الفكرية، من كفاءات وطنية في القطاعين العام والخاص، تتوفر فيها معايير الخبرة والتجرد، والقدرة على فهم نبض المجتمع وانتظاراته، واستحضار المصلحة الوطنية العليا”.
وأشار جلالته إلى أن نجاح هذه المرحلة الجديدة يقتضي انخراط جميع المؤسسات والفعاليات الوطنية المعنية، إلى جانب المواطن المغربي، باعتباره من أهم الفاعلين في إنجاح هذه المرحلة، حيث كلف في هذا الإطار رئيس الحكومة سعد الدين العثماني بتقديم مقترحات لإغناء وتجديد مناصب المسؤولية، الحكومية والإدارية، بكفاءات وطنية عالية المستوى، وذلك على أساس الكفاءة والاستحقاق.
الخلاصة الواضحة والتي لا تحتاج فقيها أو محللا لتبيينها وتفسيرها، هي احتياجنا الشديد لكفاءات قوية، بعيدا عن فرض أشخاص بأسماء معينة أو لأسباب معينة وأنتم أدرى وأعلم بقصدي. وأن الاستمرار في استخدام وسائل التفاوض الانتخابي لفرض اسم معين في منصب حساس، سيجعلنا نعيش على وقع تسلسل الأزمات واحدة تلوى الأخرى، يكون صانعها هو صاحب المسؤولية الذي لا يستحق تلك المسؤولية.
لا نحتاج فقهاءا في السياسة بل كفاءات وطنية قادرة على مواكبة سرعة التغيير والتطور الذي رسم خطوطه جلالته في العديد من المراحل، اننا نحتاج لمن يستطيع الوقوف على تدبير حقيقي للأزمات ومواجهة التحديات وبناء مغرب يتسع للجميع، دون مزايدات و بنكران كامل للذات.
تابعوا آخر الأخبار عبر واتساب
انضم إلينا واحصل على نشراتنا الإخبارية