كنز سرغينة.. دليل على صبيانية الفكر المغربي؟

الفكرالصبياني يعجب بالأساطير لأنها تغذي خياله وتسمح له حسب التحليل النفسي أن يحقق فيها كل الإحباط الذي يتعرض له يوميا بحيث يأخذ دائما دور بطل الأسطورة. ومع نموه، يدرك الطفل تدريجيا الواقع ويدرك كذلك أن كل الأساطير كانت مجرد استعارة.
يصدق الطفل في بداية الأمر القَصّاص ويعتبره من شخصيات الأسطورة وهو على حق، ولكن عندما يكبر يدرك أن القصاص ما هو إلا حاكي للقصص وتتحول علاقتهما إلى علاقة ناضجة عقلانية.
ولعل الاعتقاد بشخصيات الجن والملائكة والشياطين واليد الزهرية وعلاقتها بالعثور على الكنوز، وكذلك بالسحر والمعجزات كحقائق مادية وواقعية، لدليل على صبيانية فكر المغاربة والعرب، حيث لا يفرقون بين الخرافات والاستعارات والواقع ولا زالوا يصدقون القَصّاصين وهذا راجع لعدة أسباب:

1- تصديق الاستعارات الميتافيزيقية من خلال الدّين
أ- عدم تطور الدّين وغياب إعادة قراءة النصوص
عند ظهور الديانات السابقة كان الإنسان أميا وجاهلا وأتى الدين لتربيته وتحويله إلى إنسان ناضج. وكانت الإنسانية آنذاك صبية، ولهذا شخصت النصوص عدة مفاهيم في قالب مادي، مثل الجن والشيطان والنار والجنة والملائكة. وفي عصرنا كان يجب أن ندرك أن كل هذه المفاهيم ما هي إلا استعارات! فمثلا الشيطان ما هو إلا الجانب الحيواني التكويني عند الإنسان، والملائكة ما هي إلا الجانب الروحاني والذي يجب تطويره بالاقتراب من الخالق عن طريق الدين. أما الجنة ما هي إلا حالة ودرجة نمو الروح باقترابها من الحبيب وجهنم تعبر عن ابتعادها عن الله. وخلال ظهور الديانات لم يكن من استطاعة الإنسانية وهي في سن صبياني أن تدرك هذه الحقائق الميتافيزيقية وكان لا بد من تشخيصها في قالب مادي.
ومع الأسف لا زال الناطقون باسم الدين، يتحدثون ويقصون أشياء خيالية وبتفاصيل دقيقة تجعل الإنسان العربي يُصدق الخيال بطريقة سحرية وخصوصا أن هذه القصص شبه مستوحاة من النصوص الدينية فيصبح الخيال حقيقة مطلقة. وهذا ما يجعل المغربي يصدق كل ما هو خيالي وسحري.
ب- المعجزات
كل الديانات تسرد عدد من المعجزات السحرية ولكن هذه المعجزات كانت لها مصداقية في زمانها ومن الناس الذين عاشوها. فكيف لنا أن نصدق ما لم نراه؟ ولكن بما أن المعجزات تلبس لباسا دينيا فقد تصبح حينئذ حقيقة. ومن هنا يُصدق المغربي كل ما هو خيالي وغامض وبالتالي يؤمن باليد الزهرية والكنز المستور وبالقدرة الخارقة لحامل الكتاب، وبالراقي وبالسحر وبالشعوذة والمس وقدرات البخور.
ج- الأمية وغياب الفكر النقدي
عاملان أساسيان على صيانة الذهن الصبياني واعتماده وارتباطه الدائم بالقصاص.
د- القَصّاص و”لْ فْقيه”
إذا لاحظتم، في أي جمع ديني يكون حديث الواعظ ممتلئً بالقصص الخيالية التي تبهر الجمهور. ونعرف أن القصص السحرية والخيالية تغذي الخيال وتنوم الفكر النقدي. وهكذا أصبح لا فرق بين القصاص الذي يحكي حكايات سحرية والواعظ الذي يحكي كذلك قصص خيالية من معجزات وسحر وشياطين وملائكة وعفاريت وجنة وجهنم ويصدقها الجمهور الراشد بفكر صبياني مادامت قصص الواعظ ترتدي جلباب الدين.

2- كنز سرغينة وعلاقته مع الأساطير الدينية
كل ما ذكر أعلاه يبرهن على أن الفكر المغربي لا زال صبيانيا وقابلا لتصديق كل الخرافات بحلية دينية. وبما أن المغربي يؤمن ماديا بالمعجزات وبالمستور وبأن كلمة الله قادرة على تحول التراب إلى ذهب ( التحويل هو أن كلمة الله، تغير الإنسان المادي إلى إنسان روحاني)، يجد القصاص (النصاب) الأرضية مستعدة للتصديق بمعجزاته خصوصا وأنه يستعمل نصوصا مقدسة.
مع الأسف لو تطور الدين، وأعاد الأخصائيون من كل العلوم قراءة النصوص، وأصبح الخطاب الديني خطابا يطابق العلم وبعيدا عن كل الأساطير، لمَا رأينا المئات من المغاربة في سرغينة يبحثون عن الكنز المستور!
ولو كان التعليم إجباريا مع تلقين الفكر النقدي، لاختفى الرقاة والمشعوذين والعلاج بالبخور و”الكْوّاية” ورأينا وطننا يتقدم إلى حضارة إنسانية ناضجة ومثقفة!
الدكتور جواد مبروكي، خبير في التحليل النفسي للمجتمع المغربي والعربي


انفصال “كوبل” شهير في “لالة العروسة”

whatsapp تابعوا آخر الأخبار عبر واتساب






انضم إلينا واحصل على نشراتنا الإخبارية




زر الذهاب إلى الأعلى