مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة يقلب الطاولة على النظام الجزائري
تتعرض الجزائر لانتكاسات وانتقادات من كافة الجهات، سواء من دول أخرى أو هيئات أممية أو منظمات غير حكومية أو من المجتمع المدني. ويتعرض النظام الجزائري للانتقاد بسبب تغاضيه وصمته عن الانتهاكات المرتكبة على نطاق واسع من طرف مليشيات “البوليساريو” المسلحة، التي فوض لها، في انتهاك صارخ للقانون الدولي، إدارة مخيمات تندوف، ناهيك عن الانتهاكات التي يرتكبها بنفسه على باقي ترابه الوطني.
ما عاد من الممكن التجاوز عن صمت ومناورات النظام العسكري، إذ من واجب الجزائر أن تتحمل مسؤولياتها. فبموجب القانون الدولي، لا يمكن أن يكون هناك تفويض للسيادة، مادامت مخيمات تندوف توجد تحت سلطتها ومسؤوليتها.
لقد أضحت هذه المخميات، منذ ما يربو على نصف قرن، مسرحا لانتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان ترقترفها في ظل إفلات تام من العقاب، مليشيات “البوليساريو” المسلحة بتواطؤ مع الجيش الجزائري. فقد فرض ثنائي الجزائر – “البوليساريو” حالة من الحصار العسكري والإعلامي على السكان المحتجزين في مخيمات تندوف، حيث ينهج سياسة للرعب ضد السكان الذين يعانون من هشاشة شديدة.
ومع ذلك، فإن الجزائر، بصفتها دولة موقعة على الميثاق الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، تعهدت، وفقا للمادة 2 منه، بأن تضمن لجميع الأفراد الموجودين على أراضيها والخاضعين لسلطتها، الحقوق المعترف بها في هذا الميثاق، وتأمين إمكانية الطعن القابل للتنفيذ في حال ثبوت الانتهاك. غير أن قرار مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة يؤكد عكس ذلك، بما أنه اعتمد خلال دورته الـ134، رأيا ضد الجزائر في إطار شكوى مقدمة باسم عنصر سابق في “البوليساريو”، هو مرابح أحمد محمود عدا، الذي تمكن من الفرار من قبضة جلاديه ليستقر به المقام في موريتانيا.
وأصدر المجلس، الذي يعد هيئة أممية مرجعية في مجال حقوق الإنسان، رأيا لصالح المشتكي، بسبب “الاختطاف والاحتجاز التعسفي والتعذيب والمعاملة المهينة واللاإنسانية”، انتقاما لمشاركته في مظاهرات ضد قيادة “البوليساريو”، مع تحميل المسؤولية للجزائر.
وهذا الرأي، الذي يعد بمثابة “رفض” رسمي لوجود الكيان الوهمي، يوجه ضربة قوية للجزائر، ويعترف، بشكل لا مراء فيه، بوضعها كطرف في نزاع الصحراء المغربية.
الأمر لايتعلق هنا بحالة معزولة. ففي سنة 2018، أعرب المجلس، في ملاحظاته الختامية حول التقرير الدوري الرابع بشأن الجزائر المعتمد في الدورة الثالثة والعشرين بعد المائة، عن “قلقه العميق إزاء تفويض الدولة الجزائرية لسلطاتها بشكل فعلي، ولاسيما السلطات القضائية إلى +البوليساريو+، مشددا على أن هذا الوضع يتعارض مع التزامات الدولة الطرف، والتي بموجبها يجب أن تحترم وتضمن الحقوق المعترف بها في الميثاق لفائدة جميع الأفراد الموجودين على أراضيها”.
هذا التفويض الفعلي لصلاحيات الجزائر لـ”البوليساريو”، على جزء من أراضيها، أدى إلى خلق فراغ قانوني، مما حرم السكان المحليين من الوصول إلى هيئات الطعن القضائي أو الإنصاف في البلد المضيف، وذلك في انتهاك تام للمواثيق والمعاهدات الدولية التي وقعها النظام الجزائري.
الانشغال ذاته تم التأكيد عليه في تقرير الأمين العام للأمم المتحدة رقم (S / 2018/889 ، الفقرة 67)، لا سيما في ما يتعلق بعدم تمكن الضحايا في مخيمات تندوف من الطعن أمام محاكم الدولة الطرف. هذا الفراغ القانوني استغله “البوليساريو” والجيش الجزائري للقيام بقمع ممنهج ضد أي شخص يعبر عن رأي مخالف لقيادة “البوليساريو”، أو يجرؤ على انتقاد الفساد والمحسوبية المتفشيين في مخيمات تندوف.
وقد وجهت مجموعة العمل المعنية بالاعتقال التعسفي بدورها انتقادات للجزائر في رأيها رقم 7/2020، المعتمد خلال دورتها السابعة والثمانين، عقب اختطاف المعارض الفاضل بريكة، الذي تعرض للتعذيب والاحتجاز بشكل غير قانوني لما يقرب من 5 أشهر من قبل قيادة “البوليساريو”.
وشددت مجموعة العمل، في هذا السياق، على “مسؤولية الجزائر ما دامت هذه الانتهاكات ترتكب فوق التراب الجزائري، وبالتالي في دائرة النفوذ الترابي الجزائري”.
كما تثير قضية مرابح أحمد محمود عدا مسألة تجنيد الأطفال من قبل “البوليساريو”، والتي تتم في ظل إفلات تام من العقاب فوق الأراضي الجزائرية، في انتهاك صارخ للقانون الدولي، بما أن مرابح أحمد محمود عدا تم تجنيده أيضا وهو في سن 15 عاما.
هذه الممارسة الخبيثة واللاإنسانية كانت محل إدانة بشكل منتظم أمام الهيئات الأممية المعنية، حيث يتم في معظم الأحيان استنكار عدم تردد قادة “البوليساريو” في تجنيد أطفال مراهقين تتراوح أعمارهم بين 12 أو 13 سنة.
وعلى الرغم من محاولات الجزائر إنكار هذه الحقائق، التي تعتبرها، من طرف واحد، “حملة خبيثة”، فإن سياستها القمعية وانتهاكها المنهجي، ليس فقط لحقوق الإنسان، وإنما للقانون الدولي بشكل عام، ستواصل جني الانتقادات وإثارة قلق شديد، وهو الأمر الذي لن يمنعها من الاستمرار في الاحتجاج على هذه الحقائق الدامغة، خلال الاجتماعات المقبلة لمجلس حقوق الإنسان.