إسرائيل والدول العربية ـ منعطف تاريخي أم مسلك أوهام؟
لم يتردد بنيامين نتانياهو في وصف مؤتمر وارسو حول الشرق الأوسط بـ”المنعطف التاريخي” بين الدول العربية وإسرائيل. فهل يتعلق الأمر فعلا بنقطة تحول جوهرية غير مسبوقة أم مجرد فقاعة جديدة سرعان ما ستصبح هباء منثورا.
صورة غير معهودة، قاعة واحدة تجمع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو مع وزراء خارجية دول عربية في مؤتمر وارسو تحت عنوان محاربة “العدو الإيراني المشترك”. ولأول مرة تتوارى القضية الفلسطينية في الأجندة العربية إلى الخلف في أولويات موقفها من الدولة العبرية. المؤتمر يُعقد تحت رعاية أمريكية تحت عنوان “السلام والأمن في الشرق الأوسط”. وعشية انطلاق الأشغال نُظم حفل عشاء وصفه نتانياهو بـ”المنعطف التاريخي”. رئيس وزراء إسرائيلي يجلس على طاولة واحدة مع ممثلين كبار من السعودية والإمارات العربية والبحرين، وبعدها عقد اجتماعا على انفراد مع وزير الخارجية العماني.
الاحتكام لرمزية الصور ولغتها يجعل المشهد استثنائيا بالفعل، ويُذكر إلى حد ما بشهر العسل بين الدول العربية وإسرائيل غداة التوقيع على معاهدة أوسلو قبل ربع قرن، مع فارق كبير، هو التفاؤل والأمل في سلام شامل ودائم الذي عم المنطقة آنذاك وانسداد الآفاق بل وحالة اليأس التي تُلقي بظلالها على المنطقة حاليا.
“الخطر الأكبر”
مؤتمر وارسو يخدم بالدرجة الأولى أجندة إدارة دونالد ترامب وحلفائه في المنطقة التي تعتبر الجمهورية الإسلامية الايرانية خطرا داهما يهدد المنطقة والعالم. نائب الرئيس الأميركي مايك بنس حض الأوروبيين على الانسحاب من الاتفاق النووي مع طهران في الكلمة التي ألقاها في المؤتمر. ووصف بنس ايران بأنها “الخطر الأكبر” معتبرا أنها تعد “لمحرقة جديدة”. وانتقد بشدة المبادرة الأوروبية بشأن السماح للشركات الأوروبية بمواصلة تعاملها مع ايران رغم العقوبات الأميركية. وبهذا الشأن يرى المحلل السياسي الإسرائيلي إيلي نيسان في حوار مع DW أن “الاتحاد الأوروبي لا يعي بالضبط خطر التهديدات المحدقة بأوروبا والعالم التي يشكلها النظام الإيراني، وما يهمه اليوم فقط هي المصالح الاقتصادية”.
يرى إيلي نيسان أنه بالرغم من أن البعض يرى بأن لنتانياهو أهدافا انتخابية بتسويق نفسه كزعيم إسرائيلي ناجح دبلوماسيا وقادر على مصافحة وزراء خارجية عرب في مؤتمر دولي، إلا أن لمؤتمر وارسو أهميته، من وجهة نظر إسرائيلية، فجدول الأعمال واضح وهو التهديد الإيراني.
تناغم عربي إسرائيلي.. ولكن!
التوافق العربي (الخليجي بالتحديد) مع إسرائيل وواشنطن له وجهان: الأول إظهار إيران كأكبر خطر استراتيجي على المنطقة. أما الوجه الثاني وهو الأكثر تعقيدا فيتعلق بالقضية الفلسطينية والغموض الذي لا يزال يحيط بما يسمى بـ”صفقة القرن” ورفض الشارع العربي لها، ما جعل السعودية تظهر حذرا أكبر بهذا الشأن. فعشية المؤتمر جددت الرياض موقفها الداعم “لحقوق الشعب الفلسطيني وقيام دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية”. وفي ذلك تأكيد ضمني بأن السعودية لن توافق على أي صفقة تخذل الفلسطينيين. وذهب المحلل السياسي الفلسطيني طلال عوكل في نفس الاتجاه حينما اعتبر في حوار مع DW أن “هناك تناميا للعلاقات بين إسرائيل والدول العربية، ولكن هناك أيضا قدرا من التحفظ بالنظر للموقف الإسرائيلي من الحقوق الفلسطينية”.
حدود التطبيع..
هناك علاقات متميزة في الكواليس بين إسرائيل والعديد من الدول العربية السنية التي توصف بالاعتدال في الميادين الأمنية والاستخباراتية. “غير أن هذه الدول لا تريد أن يُفسر هذا الأمر كتطبيع شامل ونهائي مع الدولة العبرية” حسب نيسان. أما عوكل فيرى أن “هناك إمكانية للتطبيع على المستويات النخبوية والرسمية، ولكن على مستوى المجتمعات، فأمامنا نموذج كامب ديفيد ونموذج السلام مع الأردن. فلحد الآن هناك رفض شعبي قوي للعلاقات مع إسرائيل”. فيما يؤكد نيسان أن مشكل الفلسطينيين هو أنه، منذ “اعتراف إدارة ترامب بالقدس الغربية عاصمة لإسرائيل، وأؤكد الشطر الغربي للقدس، وليس الشطر الشرقي المتنازع عليه، قررت السلطة الفلسطينية مقاطعة الولايات المتحدة”.
أما الفلسطينيون، فيرون أن اعتراف ترامب بالقدس، وما يفعله بشأن الأونوروا واللاجئين مؤشرات جعلتهم يتوجسون من النوايا الأمريكية والإسرائيلية اتجاههم، وباتوا متأكدين أن “صفقة القرن” هدفها إقبار قضيتهم إلى الأبد.
موقف السلطة الفلسطينية كان واضحا، إذ استنكرت مؤتمر وارسو معتبرة أن هدفه الوحيد هو “تطبيع الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية”. وذكّر نبيل شعث، مستشار الرئيس الفلسطيني محمود عباس بأن السلطة الفلسطينية رفضت المشاركة في المؤتمر، وتابع في مقال نشرته صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية اليوم (الخميس 14 فبراير/ شباط 2019) .وأوضح أن “عملية السلام لا يمكن تحويلها إلى محاولة لإجبار أحد الأطراف للتخلي عن حقوقه الأساسية التي يضمنها ميثاق الأمم المتحدة”.