قرار الإغلاق الليلي يشعل جدلاً واسعاً بأكادير

في مدينة نُسجت هويتها من خيوط الشمس نهاراً وأضواء السهر ليلاً، نزل قرار المجلس الجماعي بتوقيف عقارب النشاط التجاري عند الواحدة صباحا كحدثٍ فارق، ألقى بظلاله الكثيفة على ملامح العاصمة السوسية.
حجر في مياه المدينة الهادئة
قرارٌ نزل كقطعة حجر أُلقيت في مياه المدينة الهادئة ظاهرياً، ليثير موجة عارمة من الجدل قسمت الشارع الأكاديري بين مؤيد يرى فيه طوق نجاة لاستعادة السكينة المفقودة، ومعارض يعتبره “رصاصة” في قلب الهوية السياحية والاقتصادية للعاصمة السوسية.
فبين سطور القرار الرسمي، تتضح المبررات: “وضع حد للظواهر السلبية”، “الاستجابة للشكايات المتكررة للسكان”، و”الحفاظ على النظام العام والسكينة”. لكن خلف هذه اللغة الإدارية، تكمن قصة صراع أعمق بين حق المواطن في النوم الهادئ، وحق التاجر في العمل، وهوية مدينة سياحية لا تنام.
من هذا المنطلق، يرى المدافعون عن القرار أنه لم يعد مجرد خيار، بل ضرورة تنظيمية لإعادة ضبط إيقاع المدينة، وتعويض إطار قانوني قديم يعود إلى عام 1969 لم يعد يواكب التمدد العمراني والسكاني. لكن في المقابل، يرى الطرف الآخر في هذا التوقيت الصارم إجهازاً على ديناميكية اقتصادية تمثل محركاً أساسياً للمدينة.
صوت السكان: نريد أن ننام..
في عمق هذا الجدل، يقف سكان الأحياء المتضررة، الذين يعتبرون القرار انتصاراً طال انتظاره. بالنسبة لهم، القصة ليست مجرد إزعاج عابر، بل هي معاناة يومية من فوضى صوتية وسلوكية حوّلت حياتهم إلى كابوس.
يصف أحدهم المشهد قائلاً إن الأمر تجاوز حدود المقبول، حيث أصبحت الشوارع مسرحاً مفتوحاً للشجارات والضوضاء الصادرة عن محركات الدراجات والموسيقى الصاخبة، مما حرم الأسر من أبسط حقوقها في الراحة والأمان داخل بيوتها. من هذا المنظور، فإن القرار ليس إجراءً زجرياً، بل هو خطوة دفاعية لحماية النسيج الاجتماعي وجودة العيش، ووضع حد فاصل بين النشاط الاقتصادي المشروع والتسيب الذي ينمو في الظلام.
المهنيون: “رصاصة” في قلب الاقتصاد السياحي
على الضفة المقابلة تماماً، يقف جيش من المهنيين وأرباب المقاهي والمطاعم والعمال، الذين استقبلوا القرار بصدمة وقلق بالغين على مستقبل أرزاقهم. بالنسبة لهذا المعسكر، القرار يفتقر إلى الحكمة ويعمم العقوبة، فيضرب بذلك القطاع المنظم بذريعة محاربة الانفلاتات المعزولة.
يؤكد مهني في القطاع السياحي أن شريان حياة أكادير كوجهة عالمية ينبض بقوة بعد غروب الشمس، وأن فرض ما يشبه “حظر اقتصادي” عند الواحدة بعد منتصف الليل هو بمثابة رسالة سلبية للسياح والزوار، مفادها أن المدينة تنام باكراً. ويضيف أن نسبة كبيرة من رقم المعاملات، خصوصاً في قطاع المطاعم والخدمات، تتحقق في الساعات المتأخرة، وأن هذا الإجراء يهدد مئات مناصب الشغل وقد يدفع باستثمارات كثيرة نحو الإفلاس.
المأزق: معادلة صعبة بين الراحة والجاذبية الاقتصادية
هنا يبرز المأزق الحقيقي الذي يواجهه صنّاع القرار بالمدينة؛ فالموازنة بين حماية راحة السكان والحفاظ على الجاذبية الاقتصادية مهمة معقدة. ورغم أن المجلس الجماعي يؤكد أن القرار يحمل في طياته مرونة، من خلال إمكانية منح تراخيص استثنائية للمحلات في المناطق السياحية، وأن النص قابل للتعديل وفق المواسم كالصيف وشهر رمضان، إلا أن هذه التطمينات لم تنجح في تبديد مخاوف المهنيين الذين يرون في مسطرة الترخيص تعقيداً إدارياً إضافياً وغموضاً يهدد استقرار أنشطتهم.
ويبقى مستقبل هذا القرار، وفق المراقبين، معلقاً بمدى قدرة الجهات المعنية على تطبيقه بفعالية، ومدى استعداد المجلس الجماعي لفتح قنوات حوار حقيقية مع المهنيين لإيجاد صيغة توافقية. وإلا، فإن أكادير قد تخاطر بأن تكسب سكينة ليلية مؤقتة، على حساب خسارة جزء كبير من جاذبيتها الاقتصادية وروحها السياحية، تنام على قرار وتصحو على أزمة هوية..
تابعوا آخر الأخبار عبر واتساب


انضم إلينا واحصل على نشراتنا الإخبارية