تطورات تنازع الاختصاص بين القضاءين الوطني والجنائي الدولي -فيديو
اطلع قضاة في ندوة تكوينية عقدت، اليوم الجمعة بالرباط، على أهم التطورات التي ترتبط بتنازع الاختصاص بين القضاء الوطني والقضاء الجنائي الدولي.
واعتبرت فريدة الخمليشـي، رئيسة اللجنة الوطنية للقانون الدولي الإنساني في افتتاح الندوة، أن موضوع الاختصاص في هذا المجال مرتبط بصيانة السيادة الوطنية المتمثلة في السلطة القضائية، ويقتضي الاجتهاد في سد كل ثغرة قانونية قد تفتح المجال لانتزاع الاختصاص من القضاء الوطني لصالح المحكمة الجنائية الدولية بدعوى حماية مبادئ القانون الدولي الإنساني المفقودة في التشريع الداخلي.
وسجلت أن الموضوع حتى وإن كان مرتبطا بالأساس بمهام التشريع، فإن اللجنة الوطنية ترمي من وراء طرحه مع القضاة إلى إطلاعهم على أهم التطورات التي عرفها تنازع الاختصاص بين القضاء الوطني والقضاء الجنائي الدولي خلال السنوات الأخيرة، وذلك من خلال تقديم النصوص التي تحكم المحكمة الجنائية الدولية، وعرض الحلول المعتمدة لمعالجة تنازع الاختصاص بين القضاءين الوطني والدولي، وتقديم الجهود التي بذلتها المملكة في مجال العدالة الجنائية الدولية.
وبعد أن ذكرت الخمليشي بأن أهم صكوك القانون الدولي الإنساني، وفي مقدمتها اتفاقيات جنيف الأربع لسنة 1949، أدخلت إلى الفكر القانوني مبدأ عدم الإفلات من العقاب وألزمت أطرافها بتفعيل هذا المبدأ عبر نظامها القضائي، وما تلاها من اجتهادات، أكدت الجهود التي تبذلها اللجنة الوطنية للقانون الدولي الإنساني حتى تلعب دورها كاملا في نشر القانون الدولي الإنساني، والمساهمة في النهوض به وتطويره، كما هو مسطر في تصدير دستور المملكة.
ومن جهته، ذكر مولاي الحسن الداكي، الوكيل العام للملك رئيس النيابة العامة، في كلمة ألقيت عنه بالنيابة، بالخيار الذي تبنته المملكة من خلال دستورها الذي أكد في ديباجته على التزام المملكة بحماية منظومة حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني والنهوض بهما والإسهام في تطويرهما مع مراعاة الطابع الكوني لتلك الحقوق وعدم قابليتها للتجزيء، مبرزا سعي المغرب إلى تعزيز هذا الالتزام عبر “ممارسات اتفاقية’’ تجسدت في الانضمام لعدد من الاتفاقيات الدولية ذات الصلة، وبخاصة اتفاقيات جنيف الأربعة والبروتوكولات الملحقة بها، باعتبارها أهم أركان القانون الدولي الإنساني.
وشدد الداكي على الدور المحوري الذي يلعبه القضاء في مجال تطبيق قواعد القانون الدولي الإنساني، والتحديات التي يفرضها تنازع الاختصاص في هذا المجال ما بين القضاء الوطني من جهة واختصاص القضاء الجنائي الدولي، مستحضرا أهم المبادئ التي تؤطر تحديد الاختصاص في هذا النوع من القضايا، خاصة مبدأ تكامل الاختصاص المنصوص عليه في نظام روما الأساسي المبني على تحقيق التوازن بين متطلبات السيادة الوطنية وضمان المساءلة، والقواعد الواجبة الاتباع في حال حدوث تنازع في هذا الاختصاص.
وخلص إلى مرامي هذه الندوة التكوينية والمتمثلة في تطوير الممارسات القانونية واستيعاب المفاهيم والتوجهات العملية في مجال العدالة الجنائية الدولية، تفعيلا لمقتضيات اتفاقيات جنيف الأربعة التي تحث الدول على ضرورة التعريف بأحكام القانون الدولي الإنساني بين المكلفين بإنفاذ القانون.
وبدوره، أشاد المجلس الأعلى للسلطة القضائية في كلمة باسمه بجهود اللجنة الوطنية للقانون الدولي الإنساني في التواصل والانفتاح على المحيط القضائي، وإشراك السلطة القضائية في العديد من الأوراش الرامية إلى دعم القدرات وتعزيز الوعي بالقانون الدولي الإنساني والتعريف بأهميته وتنمية الالتزام به، من عدة منطلقات قوامها مبادئ الدستور والقوانين والاتفاقيات والمواثيق الدولية والأعراف والممارسات القضائية الفضلى.
واعتبر أن مشاركة السلطة القضائية في هذه الندوة تأكيد منها لواجب التفاعل المؤسساتي الجاد والبناء بين المكونات الوطنية والدولية المعنية بالنهوض بمنظومة هذا القانون، وتطويرها وحمايتها، وتدارس كل الإشكاليات والخطوات والإجراءات الملائمة.
وحسب المجلس الأعلى للسلطة القضائية، فإن تشبث المملكة المغربية بالتطبيق الجدي والفعال لجميع الاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها، يمثل التزاما بتطبيق أحكام القانون الدولي الإنساني بمختلف مصادره على مستوى القضاء الوطني، بما يفرض على جميع المعنيين، بمن فيهم القضاة، استحضاره في الممارسة والتطبيق، مؤكدا أن المجلس الأعلى لن يدخر أي جهد في تكريس ثقافة القانون الدولي الإنساني على مستوى برامج تكوين القضاة وتعزيز قدراتهم للإلمام بتفاصيله وبالمضامين الأساسية لأحكامه.
وشارك في الجلسة الافتتاحية لهذه الندوة التكوينية، فريدة الخمليشي، ولطيفة توفيق مديرة قطب الشؤون القضائية بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية نيابة عن الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، وريم عسل المندوبة الإقليمية للجنة الدولية للصليب الأحمر (تونس-المغرب).