تزويج الطفلات وزواج “الفاتحة” موضوع ندوة علمية بالدار البيضاء

احتضنت مدينة الدار البيضاء نهاية الأسبوع الماضي، ندوة علمية حول موضوع:” وجهات نظر متقاطعة: الزواج التقليدي، ضرورة الإصلاح القانوني”، نظمت بشراكة كل من صندوق الأمم المتحدة للسكان ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) وهيئة الأمم المتحدة للمرأة، وجمعية “إنصاف”.

وافتتحت أشغال هذه الندوة العلمية، بكلمات تناولت السياق العام لتنظيم هذا اللقاء تزامنا مع تخليد الأيام الأممية لمناهضة العنف ضد النساء.

وفي هذا السياق أكدت نسيم آول، نائبة مدير منظمة اليونيسيف بالمغرب، أنه بالرغم من مرور مدة 17 سنة على تحديد الحد الأدنى القانوني لسن الزواج بالنسبة للفتيات المغربيات، إلا أن ظاهرة تزويج الطفلات لم تتراجع، مشيرة الى دراسة حديثة أنجزتها رئاسة النيابة العامة بدعم من اليونيسيف سنة 2019، بينت أنه هناك ما يقارب 20 ألف طفلة يتم تزويجها بشكل قانوني خلال كل عام، قبل بلوغها 18 سنة، دون الحديث عن أرقام زواج الفاتحة، التي يصعب إحصاؤها”، وهي ذات المعطيات التي أكدتها القاضية عزيزة هنداز ممثلة رئاسة النيابة العامة والتي قدمت معطيات صادمة حول التحايل الذي يتم على مقتضيات مدونة الأسرة من خلال استعمال المادة 16 المتعلقة بسماع دعوى الزوجية كوسيلة لشرعنة زواج القاصرات أو زواج التعدد.

أما لويس مورا، ممثل صندوق الأمم المتحدة للسكان في المغرب، فأكد على أهمية توحيد الجهود لوضع حد لهذه الممارسة الضارة التي تطال أكثر من 650 مليون امرأة وفتاة حول العالم.

وأضاف أن الفتيات اللواتي يجبرن على الزواج المبكر غالبا ما يحملن في سن مبكرة جدا، وهو ما يزيد من مخاطر حدوث مضاعفات أثناء الحمل أو الولادة، مبرزا أن هذه المضاعفات هي من بين الأسباب الرئيسية للوفاة بين المراهقات اللواتي تتراوح أعمارهن بين 15 و19 عاما على مستوى العالم. كما أن الفتيات المتزوجات يمكن أن يصبن بالأمراض المنقولة جنسيا، مثل فيروس نقص المناعة، وأن يواجهن العديد من المخاطر التي تعرض حقهن في الحياة والصحة والرفاهية للخطر.

من جهته ذكر الأمين العام للمجلس الوطني لحقوق الانسان منير بنصالح، بالحملة التي سبق أن أطلقها المجلس من أجل تثبيت قاعدة سن الزواج في 18 سنة، وإلغاء الاستثناء الذي يجيز النزول عن هذا السن، مؤكدا أن تزويج الطفلات يشكل شكلا من أشكال العنف ضد النساء وضد الفتيات والأطفال لأنه يحرمهم من حقوقهم.

بدورها، دعت ممثلة هيئة الأمم المتحدة للمرأة بالمغرب وشمال أفريقيا، ليلى الرحيوي، إلى احترام السن القانوني للزواج، وهو 18 عاما، مشيرة إلى أن الإطار القانوني ينظم هذا الموضوع، لكنه يسمح باستثناءات تسمح بزواج هؤلاء الفتيات.

وشددت المسؤولة الأممية، على أهمية تغيير العقليات للنهوض بوضعية الفتيات.

وأكد عبد المومن طالب، مدير الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين لجهة الدار البيضاء – سطات، أن محاربة زواج الفتيات، يأتي في إطار النهضة التربوية المنشودة، التي تراهن وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة تحقيقها، من خلال العنصر البشري، مشيرا إلى أن المغرب باشر في وضع أسسها، التي سترتكز على محاربة الهدر المدرسي لتلميذات والتلاميذ.

وأبرز طالب أن جميع الهيئات التعليمية منخرطة إلى جانب شركائها، من أجل مواكبة النهضة التربوية، التي جاءت بها وزارة التربية الوطنية، في إطار تنزيل مقتضيات القانون الإطار 51.17 عبر تنزيل 18 مشروع لإصلاح المنظومة التربوية، وعبر تنزيل مقتضيات النموذج التنموي الجديد، الذي يفتح آفاقا واسعة داخل المنظومة التعليمية، فضلا عن تقديم المزيد من الدعم للتلميذات والتلاميذ، خصوصا الإناث داخل قطاع التربية الوطنية والتكوين.

وكشف المتدخل أن الوزارة تراهن على تعميم “خلايا إنصات” على جميع المؤسسات التعليمية، لدعم التلاميذ عامة، عبر الاستماع للتلميذات وإيجاد حلول مباشرة للمشاكل التي تعانين منها وذلك في المؤسسات التعليمية مع الالتزام بالحفاظ على السرية والخصوصية، والتواصل مع الأسر، من أجل محاربة الهدر المدرسي ومنع تزويج القاصرات.

و سلطت ممثلة وزارة التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة، كريمة حليوتي، الضوء على الجهود التي تبذلها السلطات والمؤسسات العمومية للحفاظ على نواة الأسرة التي تشكل أساس قوة المجتمع.

وقالت إن الوزارة تولي اهتماما خاصا للأسرة، لاسيما الأشخاص الذين يعيشون في وضعية هشاشة، مبرزة أن المغرب صادق على الاتفاقيات المتعلقة بحقوق الطفل، وأن السياسات الحكومية تشمل رؤية متكاملة لصالح المرأة والفتيات على وجه الخصوص.

وفي كلمة لها بالمناسبة، أشادت رئيسة جمعية إنصاف، مريم العثماني، بالجهود التي يقوم بها النسيج الجمعوي في مجال المرافعة، والتحسيس بمخاطر تزويج الطفلات، بدعم الشركاء الوطنيين.

وأضافت إن لدى الفتيات، خاصة في القرى المعزولة، فرصا ضئيلة لمواصلة تعليمهن، موضحة أن بعد المؤسسات التعليمية وقلة الأقسام الداخلية يجبرهن على البقاء في البيت ومواجهة الخطر المتعلق بالعمل والزواج.

وبخصوص تجربة الجمعية، أشارت السيدة العثماني إلى أن أكثر من 550 فتاة أعيدت إلى المدرسة مما ساهم في إنقاذهن من الزواج المبكر أو العمل في المدينة، مؤكدة أن الجمعية استطاعت إقناع أولياء الأمور بدفع الرسوم المدرسية لهؤلاء الفتيات.

وإلى جانب المتدخلين الرسميين والشركاء في تنظيم هذا اللقاء، عرفت الأشغال أيضا تقديم مداخلات لقضاة وخبراء ونشطاء في المجتمع المدني، وفي هذا الصدد اعتبر الدكتور أنس سعدون عضو نادي قضاة المغرب والباحث المتخصص في قانون الأسرة المغربي والمقارن، أن تراجع معدلات تزويج الطفلات بالمغرب يثير مخاوف كبيرة من إمكانية أن تتخذ هذه الظاهرة صورا أخرى ملتبسة من قبيل زواج الفاتحة أو زواج الكونترا، أو حتى اكتفاء أولياء أمور الفتيات بتوثيق عقود الخطبة كبديل عن توثيق عقود الزواج، مؤكدا أنه كلما تعامل القضاء بصرامة لتقييد تزويج الأطفال والحد منه الا وتم اللجوء الى التحايل على القانون، في غياب نص يجرم تزويج الأطفال بطريقة غير قانونية، مشيرا في هذا الصدد الى أن عددا من المقررات القضائية تستند في منح الاذن بزواج القاصر على مبررات كالفقر واليتم والانقطاع عن الدراسة وعدم تلقي أي تكوين مهني وغياب المعيل وضعف دخل الأبوين، معتبرا أن هذه المبررات هي بمثابة مشاكل اجتماعية تستدعي حلولا واقعية وراهنية لا يمكن اختزالها في الزواج،  داعيا الى ضرورة اغلاق منافذ تزويج الطفلات من خلال نص تشريعي حاسم مع الاهتمام أيضا بمحاربة كل الأسباب التي تسهم في اذكاء الظاهرة وعلى رأسها الفقر والهشاشة والتسرب المدرسي ونشر ثقافة حقوق الانسان.

وتوقف الباحث في الشؤون الإسلامية، عبد الوهاب رفيقي، عند إشكالية تزويج الأطفال الذكور التي لا تحظى بالاهتمام الكافي رغم أنها موجودة ومتجذرة مند القدم، وتجد مبرراتها في التقاليد والعادات التي تدفع الأسر الى تزويج أطفالهم الذكور أيضا في سن مبكر، معتبرا أن هذا الزواج قد يجد له تبريرات دينية، فالجانب الديني يسهم في تغذية الظاهرة ليس فقط في البلدان الإسلامية وانما في العديد من بلدان العالم ولدى ثقافات مختلفة، معتبرا أن من أسباب استجابة المحاكم لغالبية طلبات الاذن بتزويج القاصر الأسباب الدينية التي تبرر هذا النوع من الزواج، فالمادة 400 من مدونة الأسرة تحيل على الفقه المالكي أي الى منظومة تقليدية تطبع مع زواج القاصرات، متسائلا: إذا كنا نريد أن يكون الدين عاملا مساعدا للحد من زواج القاصرات، فأي نموذج للدين ينبغي اعتماده، خاصة مع استحضار مسألة تأويل النصوص.

وتساءلت عائشة لخماس رئيسة اتحاد العمل النسائي: ماذا بعد الدراسات والتقارير والتوافق القائم وطنيا ودوليا حول مخاطر تزويج الأطفال، أين السياسات العمومية؟ وفي سياق مماثل أكدت سعيدة الإدريسي رئيسة المنظمة الافريقية للأرضية المشتركة أن بعض حالات تزويج الطفلات تتخذ صورا للاتجار بالبشر، مستعرضة نماذج لشهادات ميدانية لفتيات كن ضحايا الزواج المبكر، مؤكدة في نهاية مداخلتها على أن المدخل الأساسي لمواجهة الظاهرة هو تفعيل مبدأ العناية الواجبة للدولة التي تبقى من مسؤولياتها ضمان حقوق الأطفال انطلاقا من نص الدستور والاتفاقيات الدولية وعلى رأسها اتفاقية حقوق الطفل، مركزة على أهمية المدخل القانوني الذي يفرض فتح المجال للتشاور حول اصلاح شامل لمدونة الأسرة.

 


هزة أرضية تضرب إقليم الحوز

whatsapp تابعوا آخر الأخبار عبر واتساب






انضم إلينا واحصل على نشراتنا الإخبارية




زر الذهاب إلى الأعلى