الاتحاد الأوروبي يُدرّب قضاة المغرب على مكافحة الفساد
احتضن مقر رئاسة النيابة العامة، يوم الثلاثاء بالرباط، دورة تدريبية حول الجريمة الاقتصادية والمالية، توخت الإحاطة بمختلف تجليات هذا الصنف من الجريمة وسبل مكافحتها في ظل ظرفية معولمة.
وتهدف هذه الدورة التدريبية، التي تأتي في سياق النسخة الثالثة لمشروع تعزيز الحكامة الجيدة ومحاربة الفساد وتبييض الأموال، والمنظمة بشراكة بين الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها ورئاسة النيابة العامة، وبتمويل مشترك من الاتحاد الأوروبي ومجلس أوروبا، تمكين المشتغلين في حقل العدالة، من قضاة النيابة العامة ورؤساء أقسام المحاكم المالية التي تحتضنها بعض محاكم المملكة، من العدة البيداغوجية القانونية الكفيلة بتذليل التعاطي مع الإجرام المالي الذي ينطوي على قدر كبير من التشعب، وعلى اعتبار انعكاساته الخطيرة على النظام العام عموما، وعلى النظام العام الاقتصادي على وجه الخصوص.
كما تتوخى الدورة، التي تمتد على مدى يومين، والمندرجة في إطار برنامج جنوب III (2018-2020) الممول من طرف الاتحاد الأوروبي ومجلس أوروبا، والذي يهم “ضمان استمرارية الحكامة الديمقراطية وحقوق الانسان في جنوب البحر الأبيض المتوسط”، سن تشريعات تقدم أجوبة عملية وناجعة عن الجرائم المالية والاقتصادية، وتبعاتها الحادة من جاذبية الاستثمار والتي تنتصب كحجر عثرة أمام التنمية المنشودة، على أن تنبري هذه النظم القانونية على مواكبة الطفرة التكنولوجية التي تسخرها ” الأدمغة المجرمة ” لتحقيق مراميها، من خلال تشديد الخناق عليها، وسد الطريق على أي تجل محتمل لهذه الجرائم المالية والاقتصادية، من قبيل الجريمة الإلكترونية وتمويل الإرهاب.
وفي كلمة بالمناسبة، نوه الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، رئيس النيابة العامة، السيد محمد عبد النباوي، بالتعاون ثلاثي الأطراف الذي يصل رئاسة النيابة العامة والهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، والاتحاد الأوروبي ومجلس أوروبا، مبديا أمله في أن يتطور ويشمل قطاعات أخرى، قصد بلورة آليات ناجحة وناجعة تجيب عن انتظارات كل الأطراف.
وقال السيد عبد النباوي إن الجرائم المالية والاقتصادية تعتبر من الجرائم الخطيرة لكونها تضعف الثقة في المؤسسات وتفرغ النصوص القانونية والمعيارية من محتواها، داعيا في المقابل إلى توسيع قاعدة المستفيدين من دورات تدريبية من هذا القبيل، لتشمل ضباط الشرطة القضائية وقضاة الحكم وقضاة النيابة العامة.
وبالنظر للتبعات السلبية للإجرام المالي، وما يشكله من تهديد للنظام العام الاقتصادي، سجل الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، رئيس النيابة العامة، الحاجة إلى إطار قانوني رادع وفعال ينسجم مع اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، مضيفا أن المملكة سنت، تشجيعا منها للتبليغ على هذه الجرائم مع إحاطة المبلغين بالحماية القانونية اللازمة، القانون رقم 37.10 الذي يقضي بتغيير وتتميم القانون رقم 22.01 المتعلق بالمسطرة الجنائية في شأن حماية الضحايا والشهود والخبراء والمبلغين في ما يخص جريمة الرشوة والاختلاس واستغلال النفوذ وغيرها، مستشهدا بإطلاق الخط المباشر للتبليغ عن الفساد والرشوة الذي يندرج في إطار الاستراتيجية الوطنية لمحاربة الفساد.
وعلى صعيد آخر، شدد السيد عبد النباوي على ضرورة تكوين العنصر البشري لمواجهة الجرائم المالية والاقتصادية، منذ مرحلة الأبحاث والتحريات حتى النطق بالحكم، مضيفا أن خصوصية الجريمة الاقتصادية والمالية التي تسخر أساليب مالية ومصرفية متقنة، تستوجب توفر المتحري والمحقق والقاضي على ملكات كفيلة بالإجابة عن هذا الفعل الجرمي، قصد تعقب حركات الأموال للتثبت من شبهة غسيل الأموال، أو تمويل الإرهاب، مؤكدا أن تنظيم هذه الدورة التي يلتئم فيها خبراء راكموا تجربة مشهودة، يشكل فرصة لتبادل التجارب والممارسات الجيدة.
بدوره، نوه رئيس الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، السيد محمد بشير الراشدي، بهذه الدورة التكوينية وما تكتسيه من أهمية بالغة، لانكبابها على الجريمة الاقتصادية والمالية، مشيرا إلى أن الفساد سواء كان رشوة صغيرة أو فسادا ماليا واقتصاديا، يحد من جاذبية الاستثمار، ويقوض الأمن والسلم الاجتماعيين.
وأوضح السيد الراشدي أن الفساد يقف سدا أمام تحقيق التنمية المنشودة من خلال استغلاله السلبي للطفرة النوعية التي يعرفها الحقل التكنولوجي، والمسهمة في ظهور تمظهرات جديدة من الفساد، داعيا في المقابل إلى العمل سويا، إن على الصعيدين الوطني أو الدولي، قصد تبني استراتيجيات وسياسات كفيلة بمحاربة الفساد،
ومن منطلق إيمانه بقيم الحكامة الجيدة وتعزيز الشفافية، أكد رئيس الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، أن المغرب انخرط طوعا، ومنذ ما يزيد عن عقدين في إرساء دولة الحق والقانون، كما تبنى إراديا نظما قانونية ناظمة للمجال، لافتا إلى أن المملكة تبنت ثلاث مقاربات للإجابة عن إشكالية الفساد، انطلقت بمقاربة زجرية، فتخليقية، فمؤسساتية من خلال تفعيل أدوار هيئات الحكامة الجيدة، كما تضمنتها الوثيقة الدستورية لسنة 2011، في الباب الثاني عشر.
وأشار إلى أن الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها تضطلع أساسا بمهام المبادرة والتنسيق والإشراف وضمان تتبع تنفيذ سياسات محاربة الفساد، وتلقي ونشر المعلومات في هذا المجال، والمساهمة في تخليق الحياة العامة، وترسيخ مبادئ الحكامة الجيدة، وثقافة المرفق العام، وقيم المواطنة المسؤولة، داعيا إلى شحذ الطاقات والتعاون في المجالات ذات الاهتمام المشترك، قصد فهم ومحاصرة الظاهرة.
كما دعا إلى الاستثمار الإيجابي للتكنولوجيات حتى تنعكس على الخبرات والقدرات الذاتية، أولا من أجل الإحاطة بهذه الجرائم وانعكاساتها من قبيل جرائم غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وتبني أساليب جديدة من أجل التضييق على هذه الممارسات، وثانيا من قصد إعلاء صرح المنظومة الوطنية للنزاهة.
من جانبه، أكد ممثل الاتحاد الأوروبي، السيد جوزي لويز هيريرا، أن تنظيم أنشطة من هذا القبيل يعكس اهتمام المرفق العدلي بالمغرب على الرقي بمهامه وأدواره، مشيرا إلى أن الاتحاد الأوروبي يدعم المغرب في منحاه الرامي إلى توطيد دولة الحق والمؤسسات.
وفي هذا الصدد، استشهد السيد هيريرا بالدعم الذي قدمه الاتحاد الأوروبي للمغرب خلال إعداد القوانين التنظيمية المصاحبة لدستور 2011، ومواكبة هيئته لبرنامج تحسين فعالية المرفق العدلي بالمغرب، لافتا إلى أن هذا البرنامج يروم إرساء قاعدة تشريعية مشتركة بين الجانبين.
وعلى صعيد آخر، قال إن فلسفة مجلس أوروبا تكمن، في ما يتصل بالتعاطي مع الجرائم الاقتصادية والمالية، في بلورة سياسات جنائية فعالة ومستعجلة، تنبري للإجابة عن هذا الفعل الجرمي وتبعاته، داعيا في المقابل المستفيدين من هذه الدورة التدريبية إلى إشاعة مخرجاتها بين زملائهم.
وتتمحور الدورة التكوينية، التي سيستفيد منها 25 قاضيا، حول تقنيات البحث والتحقيق في الجرائم المالية و الاقتصادية وجمع أدلة الإثبات والتعاون الدولي بشأن الجرائم العابرة للحدود.
وتأتي هذه الدورة التكوينية في إطار دعم تخصص قضاة أقسام الجرائم المالية، وانفتاح رئاسة النيابة العامة على باقي المؤسسات والهيئات قصد بلوغ الأهداف المشتركة، ومن ضمنها ما يتعلق بمكافحة الجرائم المالية ومختلف صور جرائم الفساد.