“سيت أنفو” يحاور “سفيان البراق” المتوج بجائزة قارئ العام العربي لسنة 2023

استضاف موقع “سيت أنفو” القارئ المغربي سفيان البراق، المتوج بجائزة قارئ العام العربي لعام 2023، والذي سطع نجمه على خلفية مشاركته في مسابقة برنامج إثراء القراءة “إقرأ” ، التي احتضنتها مؤخرا المملكة العربية السعودية، فكان لنا معه الحوار التالي :

ماذا يمثل لك الفوز بجائزة قارئ العام العربي لعام 2023 والفوز بالنسخة الأولى للجائزة ؟

أعتقد اعتقاداً راسخاً أن هذا الفوز هو تتويجٌ لرحلةٍ طويلة وشاقة ومنهكة قِوامها الصبر والجلد والمثابرة والاجتهاد والقراءة المتواصلة دونما فتور، وقد امتدت هذه الرحلة، المليئة بالخيبات والانكسارات، والغاصّة أيضاً بالأفراح والنّجاحات، من جنوب المغرب من مدشرٍ هامشي (دوار بوخشبة) إلى مدينة كبيرة جداً، يتطلب العيش فيها الحذر واليقظة؛ وأعني: مدينة الدار البيضاء. ولطالما آمنت إيماناً قوياً أنّ جَهدي لن يذهب سُدىً، وأنّ انكبابي على القراءة سيُتوّجني بشيءٍ ما، لذا أجد أنّ فوزي بمسابقة إثراء القراءة (أقرأ) هو تتويج لهذا المسار، وتحفيزٌ قويّ للمضي قدمًا دون أن أعير اهتمامًا لصروف الحياة.

 

كيف جاءت فكرة المشاركة بهذه المسابقة العربية وهل كنت تتوقع الفوز بها، لا سيما أنها كانت تضم العديد من القراء ومن جنسيات مختلفة؟

ترشحت لمسابقة أقرأ بمراجعة نقديّة في رواية ((كجثةٍ في رواية بوليسية)) للكاتبة المغربية عائشة البصري، والأملُ ينتابني أن تلقى هذه المراجعة المتواضعة استحسان لجنة التحكيم. بعد أن تم انتقاء ترشحي أجريت مقابلتين مع لجنتين مختلفتين: الأولى كانت افتراضية، والثانية كان من المفترض أن تكون شخصية في الرياض، لكن الأقدار شاءت أن تُجرى هي الأخرى عن بُعد. بعد ذلك بأيام قليلة تم إبلاغي بتأهلي لملتقى أقرأ الإثرائي بمركز الملك عبد العزيز الثقافي العالمي (إثراء) بالمملكة العربية السعوديّة في الفترة الممتدّة من 4 مارس إلى 17 من نفس الشهر، سنة 2023م. اكتشفت في الملتقى أنّ جميع المشاركين هم يصنفون ضمن القراء النّوعيين، إذ ينتقون بعناية فائقة ما يقرؤون، ويمتلكون الأدوات الأساسية للاشتباك مع الكتب، الشيء الذي جعل نسق النقاش يرتفع، والأفكار تختلف بيننا بودٍّ كبير، في ترسيخ لقول الشافعي: ((رأيك صوابٌ يحتمل الخطأ، ورأيي خطأٌ يحتملُ الصواب))، فبقيتُ مشدوهاً حينها. أعتزّ أيما اعتزاز، بدون مواربة، أني تقاسمت نفس المكان مع هؤلاء القراء، ونهلتُ من تجربتهم وخبرتهم، وأسهموا بشكلٍ مباشر في التعرف على كُتّاب آخرين لم أقرأ لهم من قبل. وانتقلنا من قرّاء يتقاسمون شغف القراءة إلى أصدقاء يتقاسمون المشاعر الصّادقة والمعاني النّبيلة، وهذا اتّضح بجلاءٍ كبير في اليوم الوداعي من أيام الملتقى، حيث كنا نبوح بما يخالجنا ونحن نغالبُ الدّموع. لم يخلق الدمع عبثاً، وحده الله أدرى بلوعة الحزن.

شاركت بعرض حول “في مدح الوباء”، وتطرقت فيه إلى إيجابيات الحجر الصحي والوباء، وكيف شجعك على القراءة، فهل أنت مدين للوباء بهذا التتويج؟

يمكن القول، إذا جاز التعبير، إنّ التجربة الإنسانية قد مرّت بعشرات النوائب والبوائق والضوائق التي عصفت بها وضربت ضرباتها الهوجاء، وسعّرت بداخل الإنسان كومةً من القلق والحزن والخوف، بيد أنّ الإنسان بطبعه قادرٌ على مواجهة جميع الصعاب، وتخطيها، رغم عقابيلها السيئة، وهذه النوائب قد لا تنقضي عدّاً. إنّ الإنسان كائنٌ يتشبثُّ بالأمل كلّما شعر بالضيق والخوف حتى تستمر حياته، وبمجرد أنْ يستشري الأمل بداخله فإنّه يصبح متأملاً بإمعان فيما يعيشه، لذلك يمتحُ من التجارب السيئة مجموعة من الحكم والعِبر التي تمكنه من الاستمرار في العيش، حيث إنّ كل تجربة يعيشها الإنسان، رغم صورتها القاتمة، فيها جانبٌ مشرقٌ يحتاج فقط وقفة تأمل وإمعان نظر، ليستشف الوجه الإيجابي فيها. ونفس الشيء تقريبا حدث معي في تجربة العزل الصحي التي استغليتها فيما ينفع: القراءة، الكتابة، مشاهدة أفلام سينمائية لأساطين السينما العالمية، الانفتاح على الفنّ الموسيقي الذي مكّنني من اكتشاف أيقونات الطرب العربي (طلال مداح، محمد عبده، فريد الأطرش، عبد الحليم حافظ، عبد القادر الراشدي، محمد فويتح، نجاة الصغيرة… إلخ). أنا ممتنٌ لتجربة وباء كورونا التي أتاحت لي فرصة التفكير في مجموعة من التفاصيل التي لم أكن أنتبه إليها في وقتٍ سابق، بينما هي قمينةٌ بالتأمل والاهتمام.

وصفوة القول: إنّ هذا النص ما كان ليصل إلى هذه المرحلة دون وجود الكاتب والمترجم المصري المقتدر: أحمد شافعي الذي أشرف على المجموعة التي كنت ضمنها في الملتقى، واعتنى عناية كبيرة بهذا النص منذ أن كان مجرّد فكرة تخامر الذهن، إلى أن اكتمل. ممتنٌ له كثيرا، لأنه لم يبخل عليّ بالنصح والتوجيه، والتصويب بلطيف الإشارة، واحتضن هفواتي بحنوٍ كبير.

ماذا أضافت هذه الجائزة لسفيان المدون وطالب الدكتوارة شعبة الفلسفة ؟

إنّ تجربة الملتقى الإثرائي هي تجربة عظيمة، ولقد كنت محظوظاً بأن أكون جزءاً منها، ولعلّ تفرّدها، بصرف النّظر عن الثراء المعرفي الذي طبعها، يكمنُ في الارتقاء بالقرّاء من مجرّد قراء يشتبكون مع النصوص ويسبرون في دواليبها، إلى قراءٍ يتجرؤون على الورقة، ويداعبوها، ويبلورون الأفكار التي تتواثب في أذهانهم. تعلمتُ في هذه التجربة الملهمة التقنيات الأساسية في الكتابة والتحرير، وما عليّ الآن إلا تطوير ذلك بالقراءة المُتواصلة، والكتابة الجادَّة من خلال الاحتكاك بكتابات الكُتّاب الجيدين سواء في الرّقعة العربية، أو من خلال التسكع في إبداعات الأدب العالمي. أجد أني أخذت من هذه التجربة الاستثنائية المفاتيح الأولى لولوج عالم الكتابة الجادّة، ومن الضروري استثمارها وتنميتها.

هل فتح اللقب شهيتك وتطلعك للتويج بجوائز أخرى ربما هذه المرة في الصنف الكتابة؟

في حقيقة الأمر أنا لا أشغل بالي بالجوائز، إنّما تركيزي ينصب أساساً على القراءة والبحث والانفتاح على جميع صنوف الإبداع والنهل منها لتكوين أرضية معرفيّة صلبة، وبعد ذلك سيأتي كل شيء.

من هم الروائيون وأي أنواع الروايات  الأحب لسفيان البراق؟

كلّ مرحلةٍ لها كتّابها الذين أُغرمتُ بكتاباتهم، ومتحتُ منها رشاقة الأسلوب، وجزالة العبارة، وحصافة الفكرة والرأي، وتعرّفت من خلالها على الرؤى السردية، وتقنيات ابتداع الشخوص… إلخ. وجدت نفسي، منذ ثلاث سنوات تقريباً، متيّماً بأعمال الكاتب السوداني الفذ الدكتور أمير تاج السر، إذ أقرأها بمتعة كبيرة لا أجد لها نظيراً، لأنّه يكتب بسلاسة، وبلغة واضحة ومفهومة مشبّعة بالأساليب البلاغية الأخاذّة، وأجد سرده متوازياً يورّطني منذ أولى الصفحات متلهفاً لمعرفة النّهاية، وأفكار نصوصه تتّسم بالجِدّة والابتكار، حيث يتحاشى الأفكار المستهلكة والمُبتذلة. خلال الشهور المنصرمة اكتشف أيضاً إصابتي بداء إدمان قراءة النّصوص التراثية التي عرّفني عليها أستاذي الدكتور محمّد الشيخ الذي حظيتُ بالتتلمذ على يديه في الجامعة، وأذكر منها على سبيل التمثيل لا الحصر: كتب أبو حيان التوحيدي، أبو العلاء المعري، الجاحظ، القيرواني، ياقوت الحموي، ابن الجوزي، ابن مسكويه… إلخ.

 

متى برز عشق سفيان البراق للقراءة وهل كان لعائلتك دور في ذلك؟

شكّل انتقالي من المدشر إلى مدينة الدار البيضاء سنة 2016م لحظةً مفصليّة في حياتي، رغم أنه كان انتقالاً اضطرارياً لإتمام دراستي الجامعية، غير أن له حسنات يصعبُ حصرها، وفي مقدمتها: اكتشافي لعالم القراءة. ومنذ ذلك الحين صرت من المريدين للقراءة، أنكبُّ عليها طوال الوقت والشغف يستولي عليّ، ولقد بلغ مقدار حبّي لها أني صرت متسولاً للوقت لأقرأ في ظلِّ زحمة الحياة، ومتاهاتها اللامنتهيّة.

في الحقيقة نشأت في بيئة قروية صرفة، وكانت أسرتي غير متعلمة، لذلك لم أكتشف القراءة إلا بشكل متأخر، لكنّ أسرتي أسهمت بشكل غير مباشر في الرفع من الزّخم الذي كنت أتمتع به وأنا أسامرُ بالكُتب؛ إذ إنّ القراءة كانت سبباً رئيساً في نيلي للنقط جيدة بسلك الإجازة، وهذا انعكس على عائلتي، لأتمكن من ضخّ الفرح بداخلهم، ليزداد بذلك تطلّعهم، وتزداد وشيجتي بالقراءة.

ورغم هذا الاكتشاف المتأخر إلّا أني وجدت القراءة مرتعاً للفرح والدفء والطمأنينة، وملاذاً أرتمي فيه كلّما تراكمت عليّ الهموم، ونخرتني أعباء الحياة، ومرادفاً للأمل والإقبال على الحياة. ولعلّ ما قوّى صلتي بالقراءة، أيضاً، هي تلك الهواجس التي رافقتني واستحوذت على ذهني لسنوات، ولاتزال: الخوف من المدينة والآخر، رهبة المستقبل، الخوف من تخييب ظنّ الأسرة، الانغمار في الفاقة والإملاق، تكبُّد عبء حمل آمال وتطلعات الأهل على عاتقي…إلخ. هذه الهواجس تحوّلت بعد توالي الأيام إلى دوافع من أجل معانقة النجاح وبناء الذات، وهذه مسألة طبيعية في اعتقادي، لأنّ القروي كلما وطأت قدماه المدينة إلّا واهتاجت بداخله نفس المشاعر تقريباً.

نصيحتك  للآباء  من أجل تحبيب أطفالهم وتشجيعهم على القراءة

لست في موقع من يقدّم النصيحة، لكوني ما زلت في البداية أخطو خطواتي الأولى وأتعلم، وأبحث عن الناجحين وأنهل منهم لتلافي الأخطاء. ما يمكن أن أقوله هو إنّ القراءة هي الطريقة المختصر لتقدم المجتمعات ومعانقة النجاح والمجد، وهي رافعة أساسية للنّهوض بالمجتمع في سبيل الرقيّ به، وتجاوز عائق التأخر مقارنةً بالمجتمعات الأخرى. وهذه المسألة تنبّهتْ إليها مجموعة من المؤسسات، وفي مقدمتها مركز الملك عبد العزيز الثقافي العالمي (إثراء)، وتمّ إنشاء هذه المبادرة القيّمة (مسابقة إثراء القراءة)، وصمموا بدقة كبيرة ملتقى إثرائي زاخر، لتحفيز القراء باختلاف مشاربهم، والاحتفاء بعادة القراءة والتشجيع عليها. إنّ الآباء يستطيعون ترسيخ هذا الفعل في محيطهم الصغير والكبير بتحفيز أبنائهم على القراءة بمبادرات بسيطة شكلا، وكبيرة جداً على المستوى المضمون، كأنْ يأتي الأب للمنزل بقصص للأطفال، ويُنشئ مكتبة صغيرة يرتمون فيها، ويأخذهم إلى المكتبات، أو أن يحمل كتاباً أو مجلة ويقرأ أمامهم حتى تُحدث هذه المبادرات رجَّةً في أذهانهم وتدفعهم للسؤال عن هذا الفعل الذي دأب عليه ذويهم.

شاهدنا  مؤخر تألق العديد من الأطفال المغاربة بمسابقات عربية وتتويجهم بجوائز القراءة، برأيك ما سر تفوق القراء المغاربة ؟

أرى، من وجهة نظري المتواضعة، أنّ مجموعة من المبادرات، الجديرة بالاهتمام، التي شهدتها المؤسسات التعليمية بجل ربوع المملكة المغربية من طرف السادة الأساتذة، عبر إنشاء مكتبات وتنظيم مسابقات في القراءة بين التلاميذ مثلاً، ساهمت في ترسيخ فعل القراءة في صفوف التلاميذ وجعلتهم منهومين بعالمها الفريد، كما أن شبكة القراءة بالمغرب لعبت دوراً كبيراً في استعادة هيبة القراءة التي استلبتها مجموعة من التحولات التي بتنا نعيشها في الآونة الأخيرة وفي مقدمتها الثورة التكنولوجية الكاسحة، دون إغفال بعض الجوائز المحترمة المخصصة للقراءة بالمغرب كجائزة القراءة بجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء، بالإضافة إلى النجاح المبهرٍ الذي حقّقهُ القرّاء المغاربة على الصعيد الدولي قوّى عزيمة الآخرين في الانهمام بالقراءة. ولعلّ فوز مريم أمجون بتحدي القراءة العربي بدولة الإمارات، والاحتفاء الكبير الذي لحِقه، خير مثالٍ على ذلك.


قبل مواجهة بركان.. صدمة جديدة تدفع جماهير اتحاد العاصمة لمهاجمة الاتحاد الجزائري

whatsapp تابعوا آخر الأخبار عبر واتساب






انضم إلينا واحصل على نشراتنا الإخبارية




زر الذهاب إلى الأعلى