لفتيت: التعاقد بين الدولة والجهات مدخل رئيسي لتنزيل ورش الجهوية المتقدمة
أكد وزير الداخلية، عبد الوافي لفتيت أن التعاقد بين الدولة والجهات يعتبر مدخلا رئيسيا لتنزيل ورش الجهوية المتقدمة، “إذ يشكل نمطا جديدا للحكامة، وآلية لإعمال مبدأي الإلتقائية والتنسيق”.
وأبرز الوزير في كلمة له اليوم الأربعاء بمجلس المستشارين في افتتاح أشغال الدورة الرابعة للملتقى البرلماني السنوي للجهات، أن التعاقد يعد أيضا فرصة حقيقية لصياغة برامج مشتركة، قائمة على أساس رؤية مندمجة ومتوافق بشأنها، وذلك بهدف ضمان الانسجام والتكامل الأمثل بين الرؤية التنموية للجهات والسياسات العامة للدولة وكذا الاستراتيجيات القطاعية.
وثمن لفتيت في الكلمة التي ألقاها نيابة عنه، الوالي المدير العام للجماعات الترابية بالنيابة، حمزة بلكبير، اختيار “مأسسة النهج التعاقدي: دعامة أساسية لتسريع تنزيل الجهوية المتقدمة”، كموضوع لدورة هذه السنة للملتقى، باعتباره موضوعا يكتسي أهمية بالغة، وذلك بالنظر لارتباطه العضوي بفلسفة وأهداف الجهوية المتقدمة كسياسة عمومية ترتكز في تنزيلها وأجرأتها على آلية التعاقد الترابي بين مختلف الفاعلين المؤسساتيين، سواء من القطاع العام أو القطاع الخاص.
وأكد في هذا السياق، أن الإصلاحات الهيكلية التي باشرتها المملكة، منذ دخول القوانين التنظيمية المتعلقة بالجماعات الترابية حيز التنفيذ، تسير في اتجاه تعزيز مسار الجهوية المتقدمة المبني على التعاقد الترابي، مشيرا إلى أن من بين هذه الإصلاحات، إصلاح المراكز الجهوية للاستثمار سنة 2019 والذي يعتبر تجسيدا عمليا للجهوية المتقدمة، حيث جرى تحويل هذه المراكز إلى مؤسسات عمومية تضم في مجالسها الإدارية ممثلي مجالس الجهات بمن فيهم رئيس مجلس الجهة، مما يجعل منها فضاء للتشاور بامتياز حول مختلف أولويات التنمية المحلية.
وإدراكا بأن نجاح التجربة “اللامركزية” يبقى رهينا بتبني الإصلاحات اللازمة على منظومة “اللاتمركز” الإداري، يضيف لفتيت، فإن الحاجة تبقى ملحة للدفع بهذا المسار بما يتيح اتخاذ القرارات المناسبة المتلائمة مع حاجيات وخصوصيات كل مجال ترابي على حدة، وبما يسمح بإشراف جيد وتنفيذ أمثل لبرامج التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
وفي هذا الإطار، أكد وزير الداخلية على أن الأهداف التي يروم الميثاق الوطني للاتمركز الإداري تحقيقها تسير في نفس الاتجاه، لاسيما فيما يتعلق بضمان إلتقائية السياسات العمومية وتجانسها وتكاملها على مستوى الجهة وعلى مستوى العمالة أو الإقليم، مما يستدعي اعتماد آلية التعاقد لتنزيلها على أرض الواقع، لافتا إلى أن هذا ما كرسته أجهزة الحكامة المنبثقة عن هذا الميثاق، حيث تضطلع ، على سبيل المثال، اللجان الجهوية للتنسيق المحدثة لدى ولاة الجهات، علاوة على مهام أخرى، بمهمة إبداء الرأي بشأن عقود البرامج ذات الطابع الجهوي التي تربط الدولة بالمؤسسات العمومية وبالجماعات الترابية لاسيما الجهة.
كما تتولى المصالح اللاممركزة للدولة، يضيف لفتيت، العمل على إرساء أسس شراكة الجماعات الترابية وهيئاتها والمؤسسات والمقاولات العمومية ذات الاختصاص الترابي في مختلف المجالات، ولاسيما عن طريق إبرام اتفاقيات أو عقود باسم الدولة، مع التقيد بالتوجهات العامة للدولة وبرامج التنمية الجهوية المعتمدة.
واعتبر أن تفعيل النموذج التنموي الجديد، عبر الميثاق الوطني من أجل التنمية، يعد فرصة حقيقية سانحة لتعزيز وإغناء آليات اللاتمركز والحكامة الترابية، عبر ابتكار أنماط جديدة، وصياغة أساليب فاعلة في حقل التنمية الجهوية والمحلية، لاسيما إنجاز مشاريع ملائمة لمحاربة الهشاشة الاجتماعية، ولفك العزلة عن المناطق الجبلية والمداشر والقرى النائية، أو لإعداد برامج أفقية مشتركة (بين-قطاعية) لتدبير المجال.
وأبرز لفتيت أنه إيمانا من الوزارة بضرورة تسريع بناء ورش الجهوية المتقدمة لمكانته الدستورية وأهمية تموقعه داخل الصرح المؤسساتي للمغرب، فقد تم الحرص على بذل قصارى الجهود لمواصلة تفعيل هذا الورش الرائد الذ ما فتئ يوليه صاحب الجلالة الملك محمد السادس، كامل عنايته ورعايته السامية.
وأفاد في هذا السياق بأن مصالح الوزارة انكبت بتنسيق وتعاون مع باقي الشركاء المؤسساتيين من قطاعات وزارية وجمعيات وطنية للجماعات الترابية، على الاشتغال من أجل استكمال الهياكل المؤسساتية والمالية والبشرية للجهوية المتقدمة، فضلا عن تعميم العديد من التدابير الإجرائية و المسطرية المرتبطة برصد الموارد ودعم القدرات.
وتابع بالقول، إن الوزارة ومواكبة منها لعمل الجماعات الترابية، واصلت الدعم التقني والمالي للجماعات الترابية، سواء على مستوى التخطيط والتهئية المجالية، أو على مستوى الشبكات العمومية للقرب، والبرامج والمرافق العمومية المحلية، أو على مستوى تنمية الكفاءات العاملة بها ومساعدتها على الانخراط في التحول الرقمي لتحسين وتجويد خدماتها.
وفيما يتعلق بإعداد برامج التنمية الجهوية وتنزيلها من خلال عقود برامج بين الدولة والجهات، فقد أولت الوزارة، وفقا لفتيت، أهمية قصوى لتسريع إعداد وتنزيل برامج التنمية الجهوية خلال الولاية الانتدابية السابقة حيث كللت الجهود المبذولة في هذا الإطار بالتأشير على أحد عشر (11) مقررا يتعلق بالمصادقة على برامج التنمية الجهوية، بلغت كلفتها الإجمالية 24 مليار درهم تخص 905 برنامج أو مشروع.
كما تم، من جهة أخرى، العمل على إعداد الجيل الأول لعقود برامج بين الدولة والجهات وفق مقاربة تشاركية، حيث تم التوقيع والتأشير على عقود-برامج تهم أربعة (4) جهات، بكلفة إجمالية بلغت 23 مليار درهم، تهم 197 مشروع أو برنامج، تبلغ مساهمة الجهات المعنية 8,6 مليار درهم أي بنسبة 36,63 بالمائة.
أما بخصوص عقود برامج التنمية المندمجة للجهات الجنوبية الثلاث، فقد بادرت وزارة الداخلية، في إطار الوفاء بالتزاماتها التعاقدية برسم سنة 2022، إلى تحويل المساهمات المالية المتعهد بها بمقتضى اتفاقيات الشراكة المتعلقة بهذه الجهات، علما أن الكلفة المالية الإجمالية للمشاريع موضوع النموذج التنموي الجديد لتنمية الأقاليم الجنوبية تقدر بحوالي 79 مليار درهم، مخصصة لإنجاز ما يناهز 700 مشروعا.
ولتجويد محتوى برامج التنمية الجهوية للولاية الحالية وكذا عقود البرامج المنبثقة عنها قامت وزارة الداخلية بمواكبة الجماعات الترابية في إعداد برامج التنمية الترابية عبر مراجعة المرسوم المتعلق بتحديد مسطرة إعداد برنامج التنمية الجهوية وكذا إصدار مجموعة من الدوريات الوزارية تتعلق بالتعاقد بين الدولة والجهات لتفعيل برامج التنمية الجهوية؛ وبمنهجية إعداد هاته البرامج، فضلا عن التنسيق وتحقيق الالتقائية بين الجماعات الترابية وشركائها، كما أعدت الوزارة مشروع المرسوم المتعلق بتحديد منهجية مسلسل التعاقد وشكليات وشروط العقود المبرمة بين الدولة والجهات وباقي المتدخلين وكيفيات تتبعها وتنفيذها وتحيينها وتقييمها.
وبهدف تمكين مجالس الجهات من وضع مشاريع التصاميم الجهوية لإعداد التراب، عملت الوزارة على مواكبة وتتبع مجالس الجهات في هذا المجال، وذلك من خلال دراسة ملفات مشاريع التصاميم الجهوية المذكورة، حيث تم لحد الآن، التأشير على المقررات المتخذة بشأن مشاريع التصاميم الجهوية لإعداد التراب لتسع (9) جهات.
وفي ختام كلمته، أكد وزير الداخلية أن تحقيق الأهداف التنموية المنشودة من خلال دعم مسار الجهوية المتقدمة بالمغرب لا يقتصر فقط على مجرد إصدار القوانين والنصوص التنظيمية، “بل يبقى رهينا بمدى انخراط جميع الفاعلين، كل من موقعه، في التنزيل الجيد لهذا الورش الملكي المهيكل”.