على ضوء اعتقال “مفطرين” بالبيضاء.. “لا دينيون مغاربة” يتحدثون عن الصوم والإلحاد ونظرة الأسرة والمجتمع – روبرتاج فيديو
وفاء بلوى
مواطنون مغاربة يعيشون بيننا في المداشر والمدن، وحتى خارج أرض الوطن، ويشتركون مع سائر المغاربة، إضافة إلى الانتماء إلى نفس البلد، في السحنة والثقافة وطبيعة الوسط العائلي، ولا يغيرهم عن الأغلبية غير الفكر والمعتقد.
هم شباب وشابات، بعضهم كان من معتنقي الفكر السلفي ممن كرسوا حياتهم في سبيل “الدعوة إلى الله”، وبعضهم الآخر كان مكتفيا بممارسة الطقوس الدينية وفق ما تلقنه خلال تنشئته الاجتماعية.
نجحوا في الحصول على شهادات عليا، ومناصب مهمة، لكن هذا النجاح المهني لم يبدد خوفا سكنهم طويلا من انكشاف حقيقة انتقالهم من الدين الإسلامي إلى اللادينية (عدم اعتناق أي من الديانات)، وما يمكن أن يترتب عنه من أضرار اجتماعية وربما حتى قانونية في بلد ذي أغلبية مسلمة، ما جعل إقناعهم بالحديث أمام الكاميرا أمرا ليس باليسير.
كنت مسلما..
“كنت أحب العلوم الإسلامية.. وبعد حصولي على شهادة البكالوريا اخترت التخصص في الدراسات الإسلامية” هكذا تسربت الكلمات بسلاسة من شفاه الشاب الثلاثيني نجيب (اسم مستعار)، وهو يسترجع أحداثا يعتبرها فاصلة في مساره، وعن إسلام كان يمثل له دينا ومقدسا، قبل أن يتحول إلى ذكرى.
من جهتها، تروي سارة (24 سنة) المسلمة “المحجبة” سابقا، بابتسامة مرتاحة وأعصاب هادئة، كيف ترعرت في وسط مسلم محافظ يمارس شعائره وطقوسه الدينية، وكيف تشبعت بالدين الإسلامي من خلال عائلتها، قبل أن تجد نفسها في أحد الأيام أمام سؤال “هل أريد فعلا القيام بهذه الطقوس الدينية، أم أنها فقط عادة ألفتها منذ صغري؟”.
وبنفس هدوء سارة، كانت نبرة صوت هشام نوستيك أشهر “كافر مغربي” في اتصال هاتفي مع موقع “سيت أنفو”، عن تدينه “البسيط”، “كنت متدينا بذلك الإسلام البسيط الذي يتبعه جميع المغاربة قبل هجرتي لألمانيا، حيث عشت تناقضا بين الدين الذي عرفته في المغرب وبين الإسلام الذي اكتشفته في ألمانيا”.
التناقض كان نقطة مشتركة بين ما عاشه نوستيك، وما عاشه دكتور الإعلاميات المقيم بهولندا أيوب (اسم مستعار)، والذي يصنف نفسه كملحد، بعدما ظهر له “زيف” ما يعرف بـ”الإعجاز العلمي في القرآن والسنة” على حد قوله، “من بين الأشياء التي جعلتني ألحد هي ما يسمى بالإعجاز… فبعدما ما كان الإعجاز العلمي دائما ما يشدني إلى الإسلام.. وجدت أنها مجرد خرافات”.
وفي هذا الصدد يقول محمد عبر الوهاب رفيقي الأستاذ الباحث في الدراسات الإسلامية، في حديث لموقع “سيت أنفو”، إن الأساليب التي كانت تستعمل من أجل ترغيب الناس في الدين الإسلامي من قبيل الإعجاز العلمي أعطت نتائج عكسية، بعد أن اكتشف الشباب بعد الانفتاح سنتي 2005 و2006 أن التضليل الذي كان يمارس عليهم، وأن “الإعجاز العلمي” مجرد كذب، فما كان منهم إلا ترك الدين على حد قوله.
ولادة ملحد من رحم الموت
“كان حضوري في جنازة إحدى قريباتي بداية تطور لم يكن في الحسبان… وأتمنى بصدق لو أني لم أحضر في تلك الليلة” بهذه الطريقة انفرطت حبات القصة من مراد الحامل لشهادة الماستر في شعبة المجال والتنمية الجهوية، بينما كان يزم شفتيه حسرة كمن يحاول منع الكلمات والحسرة من أن تخرجا للعلن بعدما ظلتا طويلا حبيستي دواخله، ويقول مراد في حديثه لجريدة “سيت أنفو” الإلكترونية إن حضوره جنازة قريبته قلب موازين حياته، بسبب حضور شيخ سلفي حدثه والحاضرين عن الموت وعذاب القبر “بأسلوب يغلب عليه الترهيب” في وقت كان فيه مراد شابا فتيا يتابع دراسته بالسنة الثانية بكالوريا، “عندما عدت إلى البيت تلك الليلة، كان كلام ذلك السلفي يصحبني، وفكرت فيه طويلا، إلى أن اعتنقت فكره، وكان التحول حينها بالنسبة لي تحولا من دار كفر إلى دار إسلام”، تحول دفع بمراد إلى الانقطاع عن دراسته لمدة سنتين، لينكب على ممارسة “الدعوة إلى الله، “وفي خضم نشر الدعوة التقيت صديقا كان جميع الإخوة السلفيين يعتبرونه كافرا… وعند محاولة دعوته للإسلام طرح علي مجموعة من الأسئلة جعلتني أعيش زلزالا داخليا”.
نجيب أيضا كان له نصيب من الزلازل الداخلية الناتجة عن الموت والجنائز، “كانت مرحلة وفاة والدتي البداية الحقيقية في رحلتي لترك الإسلام، … ولأني كنت مرتبطا بوالدتي بشكل كبير لم أتقبل فراقها، قبل ذلك كنت قرآنيا (القرآني شخص يرى القرآن المصدر الوحيد للإيمان والتشريع)، لكن بعد وفاة والدتي بحثت وتعمقت في أمور الروح والموت وانفتحت بذلك على آفاق أخرى وأفكار أخرى..”.
وفي ذات السياق يرى الناشط الحقوقي والأستاذ الباحث أحمد عصيد أن الصدمات النفسية يمكن أن تكون السبب الرئيس في انتقال الأفراد من الدين إلى اللادينية أو العكس، “الانتقال من الإيمان إلى الإلحاد أو العكس هو عامل نفسي بالدرجة الأولى، أي أنه تجربة ذاتية تتخللها عوامل نفسية تجعل الإنسان يتخذ قرار الانتقال”.
رهبة رمضان
“أول يوم سأفطر فيه رمضان كنت متخوفا، وأنتظر أن يصيبني نيزك من السماء كعقاب لي، ومن سخرية الأقدار أني كنت يومها مسافرا لمدينة آسفي، وكنت لا أعرف حينها شيئا عن الفصل 222 من القانون الجنائي الذي يجرم الإفطار العلني، فأشعلت سيجارة داخل المحطة الطرقية لأولاد زيان بالبيضاء، فما كان من أحد السلفيين إلا أن توجه نحوي بنية الجهاد، قبل أن يتدخل الناس لإنقاذي، وكدت أتعرض للاعتقال، وطيلة الطريق لم يجلس بجانبي أحد كأني شيطان”، واقعة عاشها مراد بعد تركه الإسلام، في أول يوم يفطر فيه والناس صيام وعبارات وجهه تحاول كتم ضحكته لطرافة الموقف على خطورته.
الخوف من العقاب الإلهي بسبب عدم صيام رمضان تملك نجيب أيضا الذي اختار صيام بضعة أيام وإفطار بضعة أخرى ليعرف ماذا سيحل به بعد ارتكابه “الإفطار”، “.. لم يحدث شيء وتشابهت الأيام التي أفطرتها بالأيام التي صمتها، فقررت في السنة الموالية الأكل في نهار رمضان بشكل عاد”.
في المقابل اعتبر هشام نوستيك الإفطار في نهار رمضان بمثابة خروجه الرسمي من دين الإسلام، سيما وأنه كان متدنيا على حد قوله، “خروجي الرسمي من الدين كان سنة 2006، لأن تلك هي السنة التي لم أصم فيها، وبالنسبة لي عدم الصيام حدث فاصل سيما وأني كنت متدينا”.
من جهتها كانت سارة محرجة من الأكل في نهار رمضان، قبل أن تقرر في النهاية أن “تتصالح” مع أفكارها وتأكل بشكل عادي، “في البداية كنت متخوفة من أن يعرف الآخرون أني مفطرة، وفي نفس الوقت كنت لا أقدر على الأكل بشكل عادي، لكني في النهاية ارتأيت أن هذا اختياري ولا داعي لأن أعذب نفسي، فانتهيت إلى أن آكل بشكل عادي”.
أيوب بدوره ما يزال يذكر رمضانه الأول كملحد وخوفه من “شرع يد” الشارع، ومن القوانين المغربية المجرمة للإفطار العلني، “كنت حينها أعتمد على المصروف الذي يقدمه لي والداي، وكان صعبا علي.. لأني كنت خائفا من القوانين المغربية، وخائفا أيضا من قوانين الناس، لأننا في المغرب نواجه اضطهادين، اضطهاد الدولة من خلال قوانينها، واضطهاد المجتمع الذي يقوم بشرع يده”.
وفي سياق متصل، توجه موقع “سيت أنفو” إلى مكتب الأستاذ محمد بن دقاق المحامي بهيئة الدار البيضاء، لمعرفة رأي القانون المغربي في تغيير المعتقد نحو اللادينية، والوضع القانوني للادينيين في المغرب.
وقال بن دقاق إن الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب وكذا الدستور المغربي ومقتضيات القانون الجنائي جميعها جميعها تصب في منحى عدم تجريم تغيير الشخص لمعتقده، أو مجاهرته كذلك، مشيرا إلى أن ذلك لا يمنع من إسقاط الحقوق المدنية للأشخاص اللادينيين، “إذا ثبت فعلا أن الشخص قد غير معتقده وأصبح لا دينيا، فمجموعة من النصوص القانونية سواء في مدونة الأسرة أو القانون الجنائي تسقط حقوقه المدنية، كالإفطار في نهار رمضان، والعلاقات الجنسية الرضائية، وهذا مخالف للاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب” سيما وأن أساس هذه النصوص هو ديني وليس وضعيا، وتؤدي إلى حرمان الشخص اللاديني من ممارسة حقوقه.
حرية مفقودة
“لم أجاهر بلادينيتي، لكن عائلتي عرفت ذلك، بعدما اكتشفوني آكل خلسة في نهار رمضان، رد فعلهم لم يكن قويا لكني شعرت بالتعرض لعنف معنوي”، بهذا الوصف عبر أيوب عما خالجه بعد معرفة عائلته بأمر خروجه عن الدين الإسلامي، ما حذا به نحو الهجرة إلى بلد يمكن أن يتقبله ويحترمه على اختلافه العقائدي وقناعاته، وبعيون يملؤها الحزن يسترسل أيوب في الحديث عن معاناته في بلاد الغربة “أشعر بشرخ يمزقني بسبب الرغبة في العيش في بلدي بثقافتي وتقاليدي”، “كيعجبني المغرب، ولكن المغرب ما كانجبوش أنا”، رغم أن خيار الاغتراب و لم يكن حلا ناجعا بشكل كبير على ما يبدو، فرغم مغادرة أيوب أرض الوطن، ما يزال غير قادر على الحديث بوجه مكشوف، ولا باسم حقيقي، خوفا على أواصر العائلة من التفكك، وخوفا من ردة فعل العائلة الكبيرة من جهة، ومن ردة فعل الجالية العربية والمسلمة في هولندا، التي يقول إنها تضايق العرب أحيانا في حال صادفوا شخصا يحمل قنينة ماء في نهار رمضان ويتكلم العربية مثلا.
وفي ذات السياق، لم يقدر هشام نوستيك على الرغم من شهرته بين المغاربة على المجاهرة بلادينيته بين عائلته، “هناك شخص أو شخصين فقط ممن يعرفون حقيقة اعتقادي، ولحد الساعة لم يخبروا عائلتي، وأتمنى أن تستمر الأمور على هذا النحو”.
من جهتها سارة تشارك نوستيك الخوف من معرفة عائلتها بأمر خروجها عن الإسلام، وتتوقع أن تصل ردة فعل والديها في حال معرفة بالأمر إلى الانهيار، كما تقول إن المغاربة لن يتقبلوا اختلافها ويمكن أن يصل بهم الأمر إلى قتلها، ” كون عرفو أني ما تانآمنش بالدين الإسلام وأني كنفطر رمضان، كانت غاتكون واحد المصيبة، ونقدر كاع نتعرض للقتل”.
وفي ذات السياق، يرى مراد أن “التقية” (التكتم عن المقتعد والأفكار التي يتبناها الشخص” هي الفعل السليم للتعايش دون الوصول إلى صدام، سيما في ظل مجتمع بأغلبية مسلمة، ولا يؤمن بالتعددية والاختلاف.
ويرى محمد عبد الوهاب رفيقي الأستاذ الباحث في الدراسات الإسلامية، أنه من الناحية الدينية هناك عدد من النصوص التي تتحدث عن حرية الإنسان في الاعتقاد واختيار الدين الذي يرغب به، لأن “الدين قناعة” ولا يمكن إجبار الناس على الإيمان بدين معين، وإلا فسيكون ذلك بمثابة تأسيس للنفاق، “وبسبب المد الديني الذي كان في العقود السابقة، والذي جعل من الاختلاف شيئا صعبا، فالبعض صار يتعامل بنوع من اللاتسامح مع المختلفين، وهو برأيي موقف لا إخلاقي ولا ديني”.
يشار إلى أعداد اللادينيين المغاربة الذين تركوا الدين الإسلامي غير معروف لكن تقارير ومراكز بحثية تقول إن نسبتهم تبلغ 7٪، فيما تتجاوز نسبة المسلمين 90 ٪.
تابعوا آخر الأخبار عبر واتساب
انضم إلينا واحصل على نشراتنا الإخبارية