“سنعود إلى دواويرنا”.. ضحايا الزلزال بمستشفى ابن طفيل يتذكرون الحادث -فيديو
وفاء بلوى
فلاش باك 8 شتنبر
“خويا الصغير خرجتو حي وجريت بيه للسبيطار ولكن مات، وبا ماشفتوش مازال”، كلمات مخنوقة تحررها فاطمة، وتحاول معها تحرير طاقة الألم، بينما ترعى والدتها الراقدة في مستشفى ابن طفيل بمراكش.
وتتذكر فاطمة ذات الـ30 ربيعا ليلة الزلزال بمرارة وجلد، قائلة إنها كانت في بيتها بأحد دواوير ويركان، قبل أن يباغث الزلزال، “خرجت أنا وابنائي وزوجي، وأول ما قمت به الاتصال للاطمئنان على أمي وأبي وإخواني، لكن الهاتف رن دون مجيب وهنا بدأ الرعب”.
انتظرت فاطمة انجلاء ظلام ليلة الجمعة، حسب روايتها لـ”سيت أنفو”، لتلتحق بمركز ويركان حيث يعيش والداها، وهناك اكتشفت أن منزل العائلة سوي أرضا بفعل الهزة العنيفة. والدها لم تره أبدا وعلمت فيما بعد أنه دفن، شقيقها البالغ 15 سنة، أخرجته من تحت الأنقاض بيديها وتوجهت به إلى المستشفى لإنقاذه لكن الموت سبقها، فيما والدتها كانت مصابة بكسور، ونجح الجيران في إخراجها.
من جهتها خديجة، تكمل الأجزاء الناقصة في رواية ابنتها فاطمة عن ليلة الرعب.
وبملامح هادئة مطمئنة، والجبص يلف أطرافها الأربعة بدرجات متفاوتة، تقول “جا داكشي من عند الله وبغينا نخرجو نهربو وطاح علينا الدار، أنا وولدي وراجلي، هوما ماتو، بقيت غير أنا حتا جبدوني الناس”.
في السرير المجاور ترقد عائشة، امرأة متقدمة في السن، كسى البياض شعرها، وأنهكتها آلام الإصابة، تتذكر ليلة الثامن من شتنبر بضبابية، تقول “إن أبناءها كانوا في العلية ببيتها الكائن بطريق اوريكة، فيما هي بالطابق السفلي، ثم اهتزت الأرض وطلبوا منها النزول وتعثرت من شدة الخوف فسقطت وكسر ذراعها”، قبل أن تتدخل ابنتها حكيمة متحسرة “ماعقلتيش أ مي، نتي اللي كنتي فالفوقي”.
هنا انسحب الفريق من محاورة عائشة لعدم إرهاقها أكثر.
وانتقلنا إلى الغرفة المجاورة حيث يرقد عبد الله، رجل ستيني من منطقة آيت أورير، مصاب بكسور هو الآخر، يروي نسخته من ليلة الكارثة الطبيعية التي ألمت بالمغرب، ويقول إن لحظة الهزة “رفعته إلى أعلى وأسقطته أرضا”، مشيرا إلى أنه فقد أبناء عمومته جميعا، فيما يحمد الله أن “زوجته وأبناءه بخير”.
من جهته، يقول الدكتور رشيد شفيق، رئيس قسم جراحة العظام والمفاصل بمستشفى ابن طفيل بمراكش، إن “ليلة الزلزال تلاها وصول أعداد كبيرة من المصابين، بين إصابات خطيرة متمثلة في الكسور المتعددة والكسور المفتوحة (كسور تصاحبها جروح) ما كان يصعب الأمور ويهدد حياة المصابين”، مشيرا إلى أن هذا النوع من الإصابات كان يستدعي تدخلا جراحيا فوريا.
وفي السياق ذاته، يقول الدكتور شفيق إن التحدي الذي واجه الأطقم الطبية والشبه طبية في الأيام الثلاثة الأولى كان “أن عدد المصابين كثير ومستعجل”، مؤكدا أن تظافر الجهود سواء داخل مستشفى ابن طفيل التابع لمستشفى محمد السادس، أو مع أطر مستشفى الرازي مكن من تجاوز المرحلة الصعبة، على حد قوله.
ويوضح رئيس قسم جراحة العظام والمفاصل بابن طفيل، أن إنقاذ الحالات الخطيرة تلاه التفرغ للكسور الأقل خطورة، ويصفها بالكسور “الأقرب لكسور حوادث السير”، مشددا على أن التحدي الجديد يكمن في العدد الكبير، فـ “الطاقة الاستيعابية للمستشفى تصل إلى 75 سريرا، وقد ضاعفنا هذا العدد إلى5 أو 6 مرات” يقول.
هدوء يحجب الصدمة
تبدو وجوه المرضى هادئة في مستشفى ابن طفيل، لا تعابير تعتليها، وحتى خلال الحديث إلى طاقم “سيت أنفو” لم يبد أحد منهم أي انفعال.
وفي هذا الصدد، يوضح الدكتور شفيق أن الضحايا كانوا صامتين طيلة الأيام الثلاثة الأولى، ويعانون من صدمة نفسية، “لم يتفوهوا بكلمة في البداية، ثم سألوا عن هواتف للاطمئنان على أقاربهم”.
ويضيف متأثرا، أن ضحايا الزلزال من نزلاء المستشفى كان يطلبون إجراء اتصالات هاتفية للتواصل مع ذويهم، “بعضهم يذكر الرقم والآخر تخونه الذاكرة”، مشيرا إلى أن “ما يحز في النفس هو لحظة عدم الرد، واكتشاف أن هاتف المخاطب مغلق، ينظرون إلينا باستسلام حزين، ويقولون إن عائلتهم حتما ماتت”.
سنعود إلى دواويرنا
“داري رابت ولكن فاش نخرج من السبيطار غانهز ولادي ونرجعو للدوار باش مانوضرهومش”، هكذا لخص عبد الله خطته لمرحلة ما بعد المستشفى، موضحا أنه مستعد ليحط بالقرب من ركام الأنقاض، وكله أمل في سكن يعيد إليه حياته قبل 8 شتنبر، “بغيت يعاونونا المتبرعين بشي سكن واخا غير 2 بيوت، ولا غير بيت ما شي مشكل”.
من جهتها، لم تتردد خديجة في كشف قلقها على مصيرها بعد مغادرة أسرة المستشفى، “مشا كلشي الماعن، الدار، كلشي، ودابا إيلا خرجت ما عندي فين نمشي”، مؤكدة أن أيام البرد قادمة، “واش غانبقاو غير فالخيام”، تتساءل.
يشار إلى أن الديوان الملكي أصدر بلاغا عشية إنجاز هذا الروبورطاج، وجاء بما يلي:
ترأس صاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله، اليوم 14 شتنبر 2023 بالقصر الملكي بالرباط، اجتماع
عمل خصص لتفعيل البرنامج الاستعجالي لإعادة إيواء المتضررين والتكفل بالفئات الأكثر تضررا من زلزال الحوز، والذي كان موضوع تعليمات ملكية خلال جلسة العمل التي ترأسها جلالة الملك يوم 9 شتنبر 2023
ويأتي هذا الاجتماع امتدادا للتدابير التي أمر بها جلالته والهادفة إلى تعبئة كافة الوسائل بالسرعة والنجاعة اللازمتين من أجل تقديم المساعدة للأسر والمواطنين المتضررين، خصوصا من أجل تنفيذ التدابير المتعلقة بإعادة التأهيل والبناء في المناطق المتضررة من هذه الكارثة الطبيعية ذات الآثار غير المسبوقة، في أقرب الآجال
وتهم هذه النسخة الأولى من برنامج إعادة الإيواء التي تم تقديمها بين يدي جلالة الملك والتي تم إعدادها من قبل اللجنة الوزارية التي تم تشكيلها بتعليمات ملكية سامية، نحو 50 ألف مسكن انهارت كليا أو جزئيا على مستوى الأقاليم الخمسة المتضررة
ويشمل البرنامج، من جهة، مبادرات استعجالية للإيواء المؤقت وخصوصا من خلال صيغ إيواء ملائمة في عين المكان وفي بنيات مقاومة للبرد وللاضطرابات الجوية، أو في فضاءات استقبال مهيأة وتتوفر على كل المرافق الضرورية. من جهة أخرى ستمنح الدولة مساعدة استعجالية بقيمة 30000 درهم للأسر المعنية
وفي هذا الصدد أثار جلالة الملك انتباه السلطات المختصة إلى أن عملية إعادة الإيواء تكتسي أولوية قصوى ويجب أن تنجز في احترام للشروط الضرورية المتعلقة بالإنصاف والانصات الدائم لحاجيات الساكنة المعنية
ويتمثل البرنامج، من جهة أخرى، في اتخاذ مبادرات فورية لإعادة الإعمار، تتم بعد عمليات قبلية للخبرة وأشغال التهيئة وتثبيت الأراضي. ومن المقرر لهذا الغرض، تقديم مساعدة مالية مباشرة بقيمة 140 ألف درهم للمساكن التي انهارت بشكل تام، و80 ألف درهم لتغطية أشغال إعادة تأهيل المساكن التي انهارت جزئيا
كما شدد صاحب الجلالة، على ضرورة أن يتم إجراء عملية إعادة الإعمار على أساس دفتر للتحملات، وبإشراف تقني وهندسي بانسجام مع تراث المنطقة والذي يحترم الخصائص المعمارية المتفردة
من جهة أخرى، جدد جلالة الملك، خلال اجتماع العمل ، التأكيد على تعليماته السامية حتى تكون الاستجابة قوية، سريعة، واستباقية مع احترام كرامة الساكنة، وعاداتهم وأعرافهم وتراثهم. فالإجراءات لا يجب أن تعمل فقط على إصلاح الأضرار التي خلفها الزلزال، ولكن أيضا إطلاق برنامج مدروس، مندمج، وطموح من أجل إعادة بناء وتأهيل المناطق المتضررة بشكل عام، سواء على مستوى تعزيز البنيات التحتية أو الرفع من جودة الخدمات العمومية
هذا البرنامج، ذو الأبعاد المتعددة، سيعبئ، أساسا الوسائل المالية الخاصة للدولة والمؤسسات العمومية، وسيكون أيضا مفتوحا للمساهمات الواردة من الفاعلين الخواص والجمعويين، وكذا الدول الشقيقة والصديقة، التي ترغب في ذلك والتي يجدد لها جلالة الملك بهذه المناسبة عبارات الشكر الصادقة للمملكة المغربية
وخلال هذا الاجتماع، تطرق جلالة الملك حفظه الله أيضا إلى موضوع يحظى بالأولوية وبالأهمية، ويتعلق بالتكفل الفوري بالأطفال اليتامى الذين فقدوا أسرهم وأضحوا بدون موارد. أعطى جلالة الملك أوامره بإحصاء هؤلاء الأطفال ومنحهم صفة مكفولي الأمة
وبهدف انتشالهم من هذه المحنة وحمايتهم من جميع المخاطر وجميع أشكال الهشاشة التي قد يتعرضون لها للأسف بعد هذه الكارثة الطبيعية، أعطى صاحب الجلالة نصره الله أوامره للحكومة من أجل اعتماد مسطرة المصادقة على مشروع القانون اللازم لهذا الغرض، وذلك في أقرب الآجال
وهكذا يظهر المغرب مرة أخرى، بفضل رؤية وعمل عاهله، قدرته على الصمود التي يتميز بها والتي تمكنه من مواجهة الاختبارات والتحديات بقوة وحكمة وعزم ، وذلك بفضل قوة مؤسساته وتضامن شعبه وسخائه
حضر اجتماع العمل رئيس الحكومة السيد عزيز أخنوش، ومستشار صاحب الجلالة السيد فؤاد عالي الهمة، ووزير الداخلية السيد عبد الوافي لفتيت، ووزير الأوقاف والشؤون الإسلامية السيد أحمد التوفيق، ووزيرة الاقتصاد والمالية السيدة نادية فتاح، ووزيرة إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة السيدة فاطمة الزهراء المنصوري، والوزير المنتدب لدى وزيرة الاقتصاد والمالية المكلف بالميزانية السيد فوزي لقجع، والفريق أول محمد بريظ المفتش العام للقوات المسلحة الملكية وقائد المنطقة الجنوبية.
تابعوا آخر الأخبار عبر واتساب
انضم إلينا واحصل على نشراتنا الإخبارية