رُصد له 40 مليار درهم.. تقرير يكشف التفاوت الكبير بشأن برنامج تدبير النفايات بالمغرب
كشف المجلس الأعلى للحسابات، أن البرنامج الوطني لتدبير النفايات المنزلية أو النفايات المماثلة لها الذي أُطلق سنة 2008 ويغطي الفترة 2008-2022، خصص له غلاف مالي قدره 40 مليار درهم، ومكن بلادنا من تحقيق تقدم كبير في تدبير النفايات المنزلية والنفايات المماثلة لها، لاسيما فيما يخص نسبة الجمع (%95)، غير أن الأهداف الأخرى المسطرة في البرنامج عرفت تفاوتا كبيرا في الإنجاز، علما أن مدة هذا البرنامج شارفت على النهاية.
وبحسب ما أورده المجلس الأعلى للحسابات في تقريره السنوي برسم سنتي 2019 و 2020، الذي أصدره بداية الأسبوع الجاري، والذي يتوفر “سيت أنفو” على نسخة منه، فقد بلغ عدد المخططات المديرية التي تم استكمالها إلى غاية نهاية سنة ،2020 ما مجموعه 45 مخططا فقط من أصل 64 مخططا مستهدفا لتغطية عمالات وأقاليم المملكة.
وأضاف المجلس، أنه فيما يتعلق بإضفاء الطابع المهني على تدبير هذا القطاع، فقد شمل %81 من المدن والمراكز الحضرية المستهدفة. أما فيما يخص إنجاز مراكز طمر وتثمين النفايات، فإن النسبة لم تتجاوز 43 %. ونتيجة التأخر الملحوظ في إنجاز المطارح المراقبة، فإن الكميات المودعة لم تتعد 3.95 مليون طن مقابل هدف 6.3 مليون طن في سنة 2020.
وفي السياق ذاته، وارتباطا بالنتائج المحققة مقارنة بالأهداف المسطرة، لم تتجاوز نسبة إعادة تأهيل المطارح غير المراقبة % 24 من إجمالي تلك المقررة وذلك بالنظر، على الخصوص، إلى ارتباط عمليات إعادة التأهيل بإنجاز المطارح المراقبة، بحسب المجلس.
وبحسب تقرير المجلس، فقد تبنى البرنامج الوطني، أيضا، من بين أهدافه تطوير عملية فرز وتدوير وتثمين النفايات لرفع مستوى التدوير إلى %20 و %30 في أشكال أخرى بحلول سنة 2022، ومع ذلك، لم تتجاوز نسبة النفايات التي يتم تثمينها بالمغرب، على جميع الأشكال، عتبة % 10 من النفايات المنتجة سنويًا. وقد اقتصر إنجاز مراكز فرز على 3 مطارح فقط مقابل هدف 26مطرحا، فيما انحصر إنجاز تجهيزات التثمين الطاقي على مطرحين فقط مقابل 18 مطرحا مستهدفا.
وتعزى هذه الحصيلة، إلى العديد من الإكراهات الناجمة في جزء منها عن التوجهات الأساسية للبرنامج الوطني للنفايات المنزلية والنفايات المماثلة لها والإشكالات المرتبطة بالتمويل والحكامة والتدبير، بحسب التقرير.
وفي هذا الصدد، وفيما يتعلق بالنموذج الاقتصادي والمالي للبرنامج الوطني، تم الاعتماد على نموذج للتدبير مبني أساسا على الرفع من نسبة جمع النفايات وطمرها شبه الكلي بالمطارح المراقبة.
وقد نتج عن هذا التوجه ارتفاع تكلفة الخدمات المرتبطة بجمع النفايات وإيداعها بالمطارح اعتبارا ليس فقط لزيادة كميات النفايات التي يتم جمعها، بل وأيضا للارتفاع المتزايد المسجل على مستوى الأثمنة الأحادية للطن المجمع. ويبرز قصور ومحدودية النموذج الاقتصادي والمالي المعتمد في عجز العديد من الجماعات عن تغطية التكاليف المترتبة عن تنفيذ الخدمات المقدمة بالاعتماد على إمكانياتها الذاتية، ويظهر ذلك جليا من خلال متأخرات الأداء التي بلغت إلى غاية سنة 2020 ما مجموعه 1,77 مليار درهم موزعة ما بين 1,36 مليار درهم متعلقة بالتنظيف والجمع و 404,58 مليون درهم متعلقة بتدبير مراكز الطمر والتثمين، يورد التقرير.
وتابع التقرير أن خيار الطمر الكلي للنفايات لا يتلاءم أيضا مع شروط الاستدامة المالية والبيئية، إذ يطرح إشكاليات تزايد تكلفة الإيداع من جهة وكذا تزايد كميات الرشيح (Lixiviat ) الناتجة عن طمر النفايات ( 900 ألف متر مكعب سنويا) من جهة أخرى، مما يتطلب معالجتها بتكلفة سنوية تقدر بمبلغ لا يقل عن 207 مليون درهم، ناهيك عن المخاطر التي قد ينطوي عليها أي نقص في نجاعة وسائل منع تسرب الرشيح وتقنيات المعالجة الأمر الذي أكدته دراسة منجزة، رصدت أثرا سلبيا على البيئة على مستوى ثمانية مطارح من ضمن عينة منتقاة من عشر مطارح، وقد ترتب عن هذا الخيار استهلاك متسارع للقدرة الاستيعابية للحفر المهيئة للطمر ( Casiers d’enfouissement) وأحواض الرشيح ( Bassins de lixiviat )، مما نجم عنه عنه حاجة متزايدة للاستثمار في تجهيزات جديدة للرفع من القدرة الاستيعابية الأولية، بالإضافة إلى تقلص العمر الافتراضي لاستغلال المطارح.
أما فيما يخص تمويل البرنامج الوطني، فقد بلغ إجمالي النفقات المنجزة إلى غاية سنة، مما يناهز 21,22مليار درهم، أي ما يعادل % 53 فقط من الغلاف المالي الإجمالي الذي تم رصده.
وقد اتسمت التركيبة المالية للبرنامج الوطني للنفايات المنزلية والمماثلة لها، بتخصيص نسبة % 86 من الموارد المعبأة إلى غاية نهاية سنة 2020 لتمويل خدمات التنظيف والجمع والتخلص من النفايات بالمطارح. بالمقابل لم يتم تخصيص سوى % 14 لتمويل باقي الأهداف، من ضمنها %11 لإعادة تأهيل المطارح العشوائية وفقط % 2 لتطوير عملية فرز وتدوير وتثمين النفايات و %1 لتغطية نفقات الجوانب المتعلقة بالمساعدة التقنية والتحسيس والتواصل. وقد انعكس هذا التخصيص غير المتوازن للموارد على جودة ووتيرة إنجاز باقي مكونات البرنامج الوطني للنفايات المنزلية والمماثلة لها غير الجمع.
ويرجع الفارق بين مستوى الدعم الممنوح مقارنة بالتوقعات إلى الصعوبات المسجلة على مستوى إعداد المشاريع من طرف الجماعات بالنظر إلى افتقارها للموارد البشرية ذات الخبرة في هذا المجال وإلى عدم اتخاذ المبادرات الكفيلة بتحصيل موارد مالية إضافية.
ويتعلق الأمر هنا بعدم تفعيل مبدأ المسؤولية الموسعة للمنتجين والصعوبات المسجلة في استحضار أهمية اللجوء للتمويلات الخضراء وعدم تطبيق الإتاوات على النفايات المنزلية، لاسيما على كبار منتجي النفايات المنزلية والنفايات المماثلة لها، من طرف الجماعات، ناهيك عن الإشكالات المطروحة في تدبيرها للجبايات المحلية سواء على مستوى الوعاء
أو الاستخلاص.
وفيما يتعلق بالحكامة، أشار التقرير إلى أن النموذج المعتمد، بالإضافة إلى عدم تنزيله بشكل كامل، لم يأخذ بعين الاعتبار قدرة الفاعلين الأساسيين أي الجماعات، إذ أن إسناد إعداد وتدبير المشاريع المقترحة لدعم البرنامج الوطني للنفايات المنزلية والمماثلة لها يعتبر واحدا من أهم الإكراهات التي يواجهها تدبير النفايات.
ويرجع ذلك إلى إمكانياتها المحدودة بشريا وماليا وتقنيا وحاجتها إلى المواكبة التقنية والمالية لا سيما بالنسبة للمشاريع التي تكتسي طابعا تقنيا أكثر تعقيدا مثل تلك المتعلقة بالمطارح المراقبة. علاوة على ذلك، فإن لجوء كل جماعة على حدة لتدبير النفايات يفوت عليها مزايا تدبير أمثل للموارد من خلال رؤية ناظمة على المستوى الإقليمي.
وعلى الرغم من إعداد المخطـط المديـري الوطنـي لتدبيـر النفايـات الخطـرة، فإن عدم توفق المساعي لإحـداث مركـز وطنـي للتخلص من النفايات الصناعيـة الخطيـرة الخاصة لتعذر الحصول على الموافقة البيئية، والتأخر الملاحظ في إعداد المخططات الجهوية لتدبير النفايات الصناعية والطبية والصيدلية غير الخطرة والنفايات النهائية والنفايات الفلاحية والنفايات الهامدة، قد أثرا على فعالية التدبير الشمولي للنفايات وعلى إنشاء مطارح من الصنفين الثاني والثالث.
أما بشأن تدبير النفايات المنزلية والنفايات المماثلة لها على مستوى الجماعات، فقد سجل المجلس العديد من الملاحظات المتعلقة بعدم تنفيذ الالتزامات التعاقدية لطرفي عقود التدبير المفوض لا سيما فيما يتعلق ببرامج الاستثمار بالنسبة للشركات المفوض إليها والتأخر في الأداء بالنسبة للجماعات.
ويؤثر تراكم متأخرات الأداء سلبا على مناخ الثقة بين المتعاقدين وعلى قدرة المفوض على ممارسة دور التتبع والمراقبة المنوط به، مما يفسر جزئيا الارتفاع الملحوظ في الأثمنة المضمنة في العروض المقدمة من طرف الشركات للاحتياط من المخاطر المتعلقة بالمتأخرات أو المخاطر المتعلقة بارتفاع الأثمان بعد إلغاء البند المتعلق بمراجعة الأثمان بعقود التدبير المفوض.
اعتبارا لما سبق، أصدر المجلس توصيات لوزارة الداخلية ووزارة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة، كل في مجال اختصاصه، تهدف إلى مراجعة المقاربة والنموذج الاقتصادي في البرامج المقبلة من خلال الانتقال من مقاربة مبنية أساسا على الجمع والطمر إلى مقاربة جديدة تنشد التقليص من النفايات والفرز من المصدر أو عند الإيداع والتدوير والتثمين في الحدود القصوى المتاحة وحصر الطمر في النفايات النهائية وإجراء تغيير على النموذج الاقتصادي المعمول به حاليا لحفز الموارد المتأتية من تقليص النفايات ومن التثمين الطاقي وغير الطاقي بعد إقامة شروط الفرز الانتقائي وفق نموذج مزدوج ( collecte sélective
en biflux ) تطبيق نظام مسؤولية منتجي النفايات وتطبيق الإتاوات على المنتجين الكبار وتطبيق الجزاءات على المخالفين لنظام جمع النفايات والتخلص منها.
كما أوصى المجلس بتحسين الحكامة المحلية من خلال دراسة إمكانية إرساء فاعل محلي قوي بموارده البشرية والتقنية والمالية في شكل شركة للتنمية الجهوية يعهد إليها بتجهيز وتدبير مطارح النفايات، باعتبارها صاحب مشروع منتدب، وشركة تنمية على مستوى الإقليم أو العمالة يناط بها القيام بمهام صاحب المشروع المنتدب في جميع مشاريع جمع
النفايات والتتبع والمراقبة مع دراسة إمكانية إرساء نموذج للتدبير يناط بمقتضاه للمدبر العمومي إنجاز الاستثمارات المتعلقة بمشاريع تدبير النفايات على أن يسند الاستغلال للقطاع الخاص عبر عقود للتدبير المفوض.
أما على المستوى القانوني، فقد أوصى المجلس بالعمل تدريجيا على تعزيز تحرير قطاع التثمين الطاقي وإزالة العوائق القانونية في هذا الشأن وتعديل القانون رقم 28.00 المتعلق بتدبير النفايات والتخلص منها بما يتيح إمكانية اعتماد مخططات جهوية لتدبير النفايات الخطرة والتخلص منها مع إحداث مراكز جهوية للتخلص من هذه النفايات.
تابعوا آخر الأخبار عبر واتساب
انضم إلينا واحصل على نشراتنا الإخبارية