توالي سنوات الجفاف تسبب في عجز مائي حاد بالمغرب
أكد المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي على أن تواتر موجات الجفاف الحاد التي شهدها المغرب خلال السنوات الأربع الأخيرة وبلغت ذروتها خلال سنة 2022 ، خلَّف عجزاً مائياً حاداً أثَّر على جميع أوجه استعمال الموارد المائية، كالفلاحي الصناعي، السياحي، الاستعمال المنزلي، وغير ذلك.
وكشف المجلس في تقريره السنوي الثاني عشر، أن هذا العجر المائي له انعكاسات كبرى على الاقتصاد وعلى الأنظمة البيئية وعلى الأمان الإنساني، لاسيما المائي والغذائي والصحي وعلى مصادر دخل نسبة كبيرة من السكان، مشددا على أن التدبير الأمثل للعجز المائي – والذي يتفاقم أيضاً بسبب عوامل أخرى مثل زيادة الطلب على المياه، وفقدان الموارد المائية، والتلوث – يتطلب اتخاذ إجراءات ذات طبيعة استراتيجية تندرج ضمن منظور تدبير ناجع للموارد المائية، في انسجام تام مع إصلاح القطاعات الأخرى المعنية، لاسيما القطاع الفلاحي.
وأشار المجلس إلى أن تحلية مياه البحر التي تُشكل اليوم خيارا استراتيجيا لتعبئة كميات كبيرة من المياه غير الاعتيادية اللازمة لتحقيق الأمن المائي والغذائي لبلادنا، حيث أوصى المجلس بوضع موضوع تحلية المياه في صلب رؤية وطنية مشتركة من أجل توفير «مزيج مائي» قادر على الصمود أمام التغيرات المناخية، وتثمين الموارد المائية الاعتيادية وغير الاعتيادية الممكن تعبئتها بشكل مسؤول ومستدام للاستجابة لحاجيات الأسر من الماء الصالح للشرب وكذا الحاجيات الخاصة للقطاعات الإنتاجية والمجالات الترابية. من جهة أخرى، ومن أجل التخفيف من الانعكاسات السلبية المحتملة لتحلية مياه البحر، لا سيما على تنوع النظم البيئية البحرية، يتعين الحرص على توفر محطات التحلية على آليات للمراقبة واليقظة والتتبع المستمر.
وأوصى المجلس بوضع مخطط وطني للجفاف، مرتكز على نظام للإنذار المبكر، يحدد، بناءً على معطيات آنية حول ظروف الأرصاد الجوية الفلاحية والظروف الهيدرولوجية، التدابيرَ الواجبِ اتخاذها بالنسبة لكل مستوى إنذار وكذا الهيئات المسؤولة عن التنفيذ. وينبغي العمل على تنزيل هذه التدابير على المستوى الترابي، من خلال توفير مجموعة من الإجراءات الملائمة المتعلقة بتوفير المياه والنجاعة المائية؛ فضلا عن وضع آلية مؤسساتية للتحكيم والتنسيق في فترات الجفاف، تكون قائمة على التشاور الموسع وإشراك مختلف الفاعلين على المستويين المركزي والترابي، وتكون غايتها القيام بتحكيم دامج ومُنصِف بين مختلف أوجه استعمال الموارد المائية، مع ضمان الحفاظ على الرصيد الفلاحي والأمن الغذائي والمائي ومناصب الشغل.
واقترح دراسة إمكانية إحداث هيئة مستقلة يُعهد إليها، في إطار مقاربة للتدبير المندمج للموارد المائية، بالتحديد الأمثل لأغراض استعمال الموارد المائية ووضع سياسة للأسعار خاصة بهذه الموارد، بناءً على توجيهات المجلس الأعلى للماء والمناخ؛ وتسريع برنامج تعبئة الموارد المائية غير الاعتيادية، سيما من خلال: (1) تعزيز قدرات الجماعات الترابية في مجال تجميع المياه العادمة ومعالجتها وتنويع أوجه استعمال المياه المعالجة في القطاعين الفلاحي والصناعي وربما في تطعيم الفرشات المائية الجوفية؛ (2) والنهوض بالاستثمار في مجال تجميع مياه الأمطار واستعمالها؛ وإعادة النظر في النموذج الفلاحي المعتمد في الجانب المتعلق باستعمال الموارد المائية وتدبيرها، وذلك أساسا من خلال إعادة النظر في الأنشطة والتخصصات الفلاحية بشكل يسمح بجعل كل جهة تتخصص في ممارسات فلاحية وزراعات مستدامة من حيث استعمال الموارد المائية. لذا، يتعين دعم إحداث سلاسل فلاحية قادرة على مقاومة التغيرات المناخية ولا تتطلب موارد مائية ضخمة وتتيح إنتاجية أفضل للماء؛ فضلا عن تعزيز الأنشطة التحسيسية الموجهة لمستعملي المياه (المواطنات والمواطنون، الفلاحون، الفاعلون في قطاع الصناعة، المكلفون بالتدبير…) حول ترشيد استعمال الماء.