“الترمضينة”.. هل ناتجة عن أخلاق زائفة أم اضطرابات نفسية؟
لجأ المغاربة إلى إبداع مصطلح “ترمضينة” للتعبير عن حالة “العنف” التي تعرفها شوارعنا ومنازلنا بعد دخول شهر رمضان، هذه الحالة من “الهيجان” تُعارض المقاصد السامية للصيام، مما يدفع للوقوف على المتغيرات النفسية الفردية والجماعية التي تخلق هذه الحالة العنيفة من حين لآخر وسط الصائمين في أيام رمضان؟.
في هذا الصدد، أوضح عادل الحسني الباحث في علم النفس الاجتماعي، أن “التوتر المفضي للغضب ثم الانفعال والشجار هو الوضع الذي يمكن أن يقع فيه أي فرد تحت ضغط جهد بيولوجي وسلوكي مفاجئ خوفا أو خضوعا للأخلاق الجماعية، ومن المعروف في التحليل النفسي أن الاضطرابات النفسية الناتجة عن كبت رغبات أساسية بشكل مفاجئ تنتج اضطرابات في التواصل والعلاقات عموما”.
وأضاف الباحث في تصريح لموقع “سيت أنفو” أن “فريضة الصيام الدينية نظريا يفترض فيها كما في الخطاب سائد أن تحفز الفرد نحو التسامح والهدوء وجمع الحسنات عبر تحسين الأخلاق المعاملاتية، لكن الشجارات الطارئة والمناقضة لهذه المعاني تشير نفسيا لاختلال يفصح عن وجود ما يسمى بالأخلاق الزائفة! مثال ذلك ما يمكن معاينته من مشهد شجار في سوق شعبي أو على الطريق المزدحم”.
وأبرز بأنه “رغم معرفة الجميع في الفضاء العام بقدسية الشهر والمستوى الأخلاقي المفروض أن يحترم في حديث وسلوك الفرد إلا أن انتهاك المحرم الشفوي ” الكلام النابي” والسلوكي “العنف الجسدي” يبرز في أقصى مستوى بسبب أن رهان عدد من الأفراد في انتقالة سريعة نحو الزهد في الأكل والجنس والمحرمات العرفية خلال هذا الشهر يفشل أمام حجم الفرق بين استعداد الفرد للعمل والتواصل والجهد وبين الحرمان من التزود بالطاقة وكبت العديد من الرغبات والانفعالات، هذا الفشل في تدبير الفارق يعيد التفكير من جديد حول مدى طوعية الصيام في رمضان، فالتعامل الطوعي مع هذه العبادة وعدم جعلها قهرية اجتماعيا كما هو واقعها هو مايمكن أن يجعلها سلوكا يحسن من سلوك الفرد فعلا”.
وأشار أن “شجارات الشوارع في رمضان تؤشر على التضارب النفسي الذي لا يطيق الفرد كبته ويصرفه في شجارات عدائية في الشارع، مرة بدعوى الطهرانية، كحالات العنف اللفظي على لباس النساء ومرات بانتهاك المحرم في الشجارات الذكورية العنيفة كتعبير عن انفراط عقد الالتزام بالكبت”.
وأكد أن شجارات الشارع في نهار رمضان تشير إلى انحراف نفسي/ قيمي يربط بشكل خاطئ حضور الأخلاق بالدين، فصعود الإرادة الزاهدة عن الأكل والجنس خلال النهار لا يصحبه تأطير عقلاني أخلاقي موائم، ويغيب حضور الأخلاق المعاملاتية تقريبا، مما يجعل الأخلاق معطى هامشيا في ذهن الصائم، فالكف عن الشهوات يكون أسبق على كف الأخلاق السيئة بسبب التركيز في أن الأمر الديني أهم من الترتيب العقلاني للأخلاق، أو اعتبار أن تنفيذ شعيرة دينية يعني بالضرورة تحقيق ترقي أخلاقي وهذا طبعا غير صحيح، ويؤثر هذا الفراغ الأخلاقي في الممارسة الدينية على انعكاس ذلك في الفضاء العام”.
وأفاد بأنه “لابد من الإشارة إلى عامل نفسي يساهم خطير في حالة الانفعال السائد في الشارع وهو انتشار الوعاظ المنفعلين في المساجد ووسائل الإعلام، وكما أشرنا في التعامل الخاطئ مع الأخلاق فغالب الوعاظ في رمضان يساهمون الأساس في تأزيم الحالة النفسية للصائم وخلق العدوانية فيه، والضغط على عقدة الذنب، ولعل الكثيرين يستغربون لجوء الكثير من المواطنين الغير متدينين إلى العنف ضد النساء في الشارع بدافع ديني وهم غير متدينون، ولكن الانتباه إلى العظات المنتشرة وتحريضها ضد لباس النساء في الشارع ودفعها الفرد لأن يكره نفسه جراء ذنوبه يدفعه لأن يكون عدوانيا، لأن هذه العظات المحرضة على الذات والآخر تدفع المعاناة من الفقر والتهميش الفرد إلى سلوك عدواني شديد العدوانية”.
وأردف المتحدث قائلا إن ما نراه في الشارع من عنف هو “نتيجة مفارقات نفسية وقيمية أهمها: كون الصوم في الفضاء العام هو عبادة قهرية عرفيا وقانونيا في المغرب مثله مثل فرض الحجاب في إيران في الفضاء العام، لا ينتج أشياء إيجابية على مستوى ترقية السلوك والأخلاق العامة، وعدم التركيز على الأخلاق العقلانية في الخطاب الديني يعرض الفضاء العام وعلاقات الأفراد فيه للخطر ذلك أننا نكون أمام دعوات وعظية كثيفة لكن أغلبها انفعالي وغاضب”.
تابعوا آخر الأخبار عبر واتساب
انضم إلينا واحصل على نشراتنا الإخبارية