بتوجيهات ملكية.. قانون المالية الجديد يرسم خارطة طريق لدولة اجتماعية بـ”عقلية جديدة”

لم يكن المجلس الوزاري، الذي ترأسه الملك محمد السادس، مساء اليوم بالقصر الملكي بالرباط، مجرد محطة دستورية روتينية لإقرار توجهات مالية، بل كان بمثابة إعلان واضح عن فلسفة جديدة ترسم خارطة طريق المغرب للمرحلة المقبلة. فالتوجهات العامة لمشروع قانون المالية الجديد، التي حظيت بالمصادقة الملكية، تتجاوز المنطق المحاسباتي المعهود لتؤسس لاستحقاق سياسي عميق، يعيد ترتيب الأولويات الوطنية ويضع الإنسان في صلبها.

من خلال التركيز الثلاثي الأبعاد على ترسيخ الدولة الاجتماعية، ودعم النسيج المقاولاتي الصغير والمتوسط، وإطلاق جيل جديد من التنمية الترابية بعقلية تشاركية، يبدو أن الدولة تضع رهاناً استراتيجياً على تحويل التحديات الاجتماعية إلى محركات للنمو، وتعتبر الطاقات الشابة والنسائية وقوداً أساسياً لهذه الانطلاقة المتجددة. تحوّلٌ استراتيجي يضع الإنسان في صلب المعادلة التنموية، ويراهن على الطاقات المحلية كقاطرة للمستقبل.

الدولة الاجتماعية.. أولوية قصوى

يكشف التوجه العام لقانون المالية 2026 عن إرادة سياسية حاسمة لترسيخ أسس الدولة الاجتماعية؛ فلم يعد الأمر يتعلق بإجراءات قطاعية متفرقة، بل بمنظومة متكاملة تحظى فيها قطاعات الشغل والتعليم والصحة بعناية خاصة وميزانيات معززة. الهدف هنا يتجاوز تقديم الخدمات الأساسية، ليصل إلى بناء شبكة أمان حقيقية للمواطن، تضمن له الكرامة وتوفر له فرص الارتقاء الاجتماعي، وهو ما يشكل حجر الزاوية في الرهان الجديد للدولة.

وبموازاة الدعم الاجتماعي، يضع مشروع القانون الجديد محرك الاقتصاد الوطني نصب عينيه، لكن من زاوية محددة ومركزة. حيث تم رفع سقف الأولويات لدعم المقاولات الصغرى والمتوسطة، ليس فقط باعتبارها خزانًا لفرص الشغل، بل كأداة فاعلة لتحقيق الإدماج الاقتصادي. ويتكامل هذا التوجه مع سياسة واضحة لإشراك النساء والشباب في سوق العمل، ما يحول الطاقات البشرية الحيوية من عبء محتمل إلى قاطرة حقيقية للنمو، حيث يعكس الربط بين دعم المقاولة وتمكين الشباب والنساء فهمًا عميقًا لمتطلبات التنمية المستدامة.

تنمية ترابية بـ “لوجيسيال جديد”

ولعل النقلة النوعية الأبرز التي يبشر بها قانون المالية الجديد، تكمن في العقلية التي سيتم بها تدبير التنمية على المستوى المحلي. فالحديث عن “جيل جديد من برنامج التنمية الترابية المندمجة” و”مقاربة تشاركية موسعة” يعني القطيعة مع منطق التخطيط المركزي العمودي، في خطوة تعتبر إيذاناً بتطبيق “لوجيسيال جديد” في الإدارة الترابية، يقوم على إشراك الفاعلين المحليين والمواطنين في صناعة مستقبل مناطقهم. هذا التوجه، الذي ينتظر أن تدعمه قوانين انتخابية تخدم مصالح الشباب والنساء، لا يهدف فقط إلى تحقيق فعالية أكبر في المشاريع، بل يسعى إلى ترسيخ ديمقراطية تنموية حقيقية تنطلق من القاعدة نحو المركز.

ويبدو أن قانون المالية المقبل لم يعد أكثر من مجرد موعد إجرائي سنوي، بل يراد له أن يرتقي إلى وثيقة سياسية بامتياز، تضع رهانات واضحة على الدولة الاجتماعية كحصن للمواطن، وعلى الشباب والنساء كطاقة دافعة، وعلى المقاولات الصغرى كشريان للاقتصاد، كل ذلك ضمن إطار تنموي متجدد يعيد الاعتبار للمجال الترابي بآليات عمل مبتكرة وتشاركية.


حكم إيطالي بارز يقود نهائي المغرب والأرجنتين

whatsapp تابعوا آخر الأخبار عبر واتساب






انضم إلينا واحصل على نشراتنا الإخبارية




زر الذهاب إلى الأعلى