الداكي: الحماية القانونية للأطفال في مقدمة أهداف رئاسة النيابة العامة
أكد مولاي الحسن الداكي، الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، رئيس النيابة العامة، أن رئاسة النيابة العامة، جعلت في مقدمة أهدافها تحقيق الحماية القانونية اللازمة للأطفال في سعي دائم لتكريس مفهوم العدالة الصديقة، وذلك منذ تأسيسها في أكتوبر 2017 كسلطة مستقلة وباعتبارها الجهة القائمة على تنفيذ مضامين السياسة الجنائية الوطنية وإيمانا منها بأهمية التنشئة السليمة للأطفال وحمايتهم من كل المخاطر التي تتهددهم.
وأوضح الداكي، في كلمة له، بمناسبة المناظرة الوطنية حول موضوع حماية الأطفال في تماس مع القانون، الواقع والآفاق، 19 – 21 يونيو 2023 بقصر المؤتمرات بالصخيرات، أنه في هذا الإطار فقد بادرت رئاسة النيابة العامة إلى اتخاذ عدة إجراءات سواء على مستوى البناء المؤسساتي، أو على مستوى تنفيذ السياسة الجنائية الخاصة بحماية حقوق الطفل، من أجل ضمان التفعيل السليم للمقتضيات القانونية الحمائية الواردة في التشريع الوطني، وتكريس المعايير الدولية المتعارف عليها في هذا الشأن، فخصصت ضمن هياكلها التدبيرية قطبا يختص بتتبع قضايا الأسرة والفئات الهشة عموما وقضايا الطفولة بوجه خاص، إن على مستوى تعزيز الولوج للحماية القضائية وفق المعايير النموذجية أو على مستوى الرصد وتجميع الاحصائيات والمعطيات ذات الصلة أو على مستوى ضمان تعزيز القدرات ومواصلة التحسيس وتأطير النقاش بين قضاة النيابة العامة وشركائها.
وأضاف الداكي، أن خلايا التكفل بالأطفال والنساء بمختلف النيابات العامة بمحاكم المملكة والتي تشرف عليها رئاسة النيابة العامة، تعتبر آلية فعالة لتيسير ولوج الأطفال إلى العدالة، وتعكس رقيا في تعاطي المؤسسة القضائية مع هذه الفئة، حيث يسهر أعضاء النيابات العامة، إلى جانب باقي مكونات هذه الخلايا، على استقبال الأطفال الوافدين عليها، في حرص شديد على تقديم ما تتطلبه أوضاعهم من دعم ومساعدة ومرافقة واستحضار للبعد الاجتماعي والإنساني، بحسب تعبيره خلال المناظرة الوطنية، المنظمة على مدى ثلاثة أيام من قبل رئاسة النيابة العامة بشراكة مع وزارة التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة، بتعاون مع منظمة الأمم المتحدة للطفولة -اليونيسيف- وبدعم من الاتحاد الأوروبي.
كما تعمل النيابة العامة على تفعيل دورها التنسيقي مع مختلف المتدخلين من قطاعات حكومية وغير حكومية، عبر اللجن المحلية والجهوية للتكفل بالنساء والأطفال، بما يضمن تكفلا فعالا وناجعا يتلاءم وخصوصية وضعية الطفل في تماس مع القانون واحتياجاته، يقول الداكي.
ومن أجل تحقيق أكبر قدر من النجاعة في تطبيق القوانين ذات الصلة بحقوق الأطفال، أشار المسؤول القضائي، إلى أن رئاسة النيابة العامة بادرت إلى توجيه العديد من الدوريات إلى النيابات العامة بمختلف محاكم المملكة، تحثهم فيها على تعزيز الحماية القانونية للأطفال من كل أنواع العنف والاستغلال وإساءة المعاملة، وكل ما من شأنه إهدار كرامة الطفل، وفقا لما ينص عليه القانون الوطني، مع الحرص على التشخيص القانوني السليم لوضعياتهم وعلى تقصي مصلحتهم الفضلى والتطبيق الصارم للقانون في مواجهة كل من يرتكب أفعالا جرمية في حقهم لضمان عدم إفلاتهم من العقاب.
وسعيا لتفعيل المبادئ الدستورية الرامية إلى ضرورة التعاون بين السلط، ووعيا منها بأهمية الالتقائية بين تدخلات الفاعلين في مجال حماية الطفولة، وضرورة تظافر جهود الجميع لتحقيق حماية ناجعة وفعالة للأطفال، تعتمد رئاسة النيابة العامة نهج الانفتاح على مختلف الأوراش الوطنية الداعمة لحقوق الأطفال، وفي هذا الإطار فقد انخرطت في عدة مبادرات منها الحملة الإفريقية من “أجل مدن بدون أطفال في وضعية الشارع” تحت الرعاية السامية لجلالة الملك محمد السادس نصره الله، والرئاسة الفعلية لصاحبة السمو الملكي الأميرة الجليلة للا مريم، المعلن عنها بمدينة مراكش بتاريخ 24 نونبر 2018. والتي عبأت مختلف الفاعلين لانتشال الأطفال من الشارع، يورد الداكي.
وقال إن رئاسة النيابة العامة انخرطت أيضا، في “الخطة الوطنية لحماية الأطفال من الاستغلال في التسول” منذ 04 دجنبر 2019 بشراكة مع وزارة التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة، وفي نفس السياق أعدت رئاسة النيابة العامة خطة مندمجة انخرط فيها كافة المتدخلين المعنيين من أجل الحد من زواج القاصر والتصدي لأسبابه استجابة لغاية المشرع الذي حدد سن الزواج للفتى والفتاة على حد سواء في 18 سنة كاملة من منطلق التسليم بأن الزواج دون هذه السن مساس بحقوق الطفل وعرقلة لنموه وتنشئته، مضيفا أنه استمرارا في السعي المشترك لحماية الطفولة قادت رئاسة النيابة العامة استشارة وطنية حول التكفل بالأطفال المهاجرين غير المرفقين أفضت إلى إعداد خطة عمل مشتركة لتطوير الخدمات وتجويدها.
وأكد الداكي، أن حماية الأطفال والنهوض بأوضاعهم هو ورش كبير ومستمر، يتطلب انخراط والتزام الجميع، فرغم ما راكمته بلادنا من إنجازات ومكتسبات في هذا المجال بفضل المجهودات المبذولة من طرف كل المتدخلين، إلا أنه لازال أمامنا طريق مليء بالتحديات والصعاب للوصول بأطفالنا إلى مستوى يحقق الغايات والمقاصد السامية المتمثلة في منع كل الأفعال والممارسات الماسة بسلامتهم، كما أن آليات الحماية المتاحة تسائلنا عن مدى احترام المعايير المتعارف عليها للتكفل بالأطفال فيطرح التساؤل مثلا عن ضرورة تصنيف الأطفال المودعين متى علمنا أن مراكز حماية الطفولة تضم في آن واحد الأطفال المخالفين للقانون والأطفال في وضعية صعبة، بل إن هؤلاء يشكلون نسبة 65 % مقابل 35% من الأطفال في وضعية مخالفة للقانون، ومن جهة أخرى مازالت الإحصائيات بالمحاكم تسجل حالات متعددة من قضايا العنف الموجه ضد الطفل، كما ترصد لنا أعدادا مهمة من الأطفال الذين يتورطون في جرائم تتسم في بعض الأحيان بالخطورة، كما لازالت تطالعنا الأرقام المقلقة للأطفال في وضعية صعبة أو في وضعية الشارع المعرضين لمظاهر متعددة من العنف والاستغلال، الأمر الذي ينبغي معه إحاطة هذه الفئات بمزيد من الاهتمام على مستوى منظومة العدالة لضمان أنجع السبل الكفيلة بحمايتهم وفتح أفق الإدماج أمامهم. غير أن إنقاذ الأطفال في تماس مع القانون وتوفير الحماية الشاملة لهم لا يقتصر على الحماية القانونية والقضائية فحسب، وإنما تتسع دائرته بالضرورة لتشمل منظومة الحماية الاجتماعية كما أن هذه الحماية لا تقف عند مسار التكفل القضائي بهم بل تنصرف إلى جهود الرعاية اللاحقة والمواكبة الوثيقة لضمان إعادة إدماجهم في المجتمع كأفراد صالحين.
ويتطلب الرقي بحماية الطفولة ببلادنا حتما، بحسب الداكي، وقفة تأمل وتشخيص دقيق لواقع هذه الحماية من خلال التعرف على مواطن القوة والاجتهادات المتميزة والممارسات الجيدة من أجل تعميمها والاستفادة منها، ومن خلال الوقوف كذلك على مختلف التحديات والإكراهات التي تواجهها، من أجل استشراف الحلول والوصول إلى مقترحات عملية ناجعة لتكريس الحماية الشاملة لهذه الفئة.
وتابع أنه لهذه الغاية تضم هذه المناظرة فضلا عن جلساتها العامة عدة ورشات موضوعاتية تطرح للنقاش الإشكاليات الكبرى لحماية الأطفال في تماس مع القانون وتروم وضع التصور بشأنها بالتشاور والتنسيق مع شركائنا المعنيين بالوقاية والحماية والرعاية اللاحقة للأطفال، سيرا نحو أفق مشرق للطفولة المغربية وصولا إلى مغرب جدير بأطفاله وأطفال جديرين بمغرب الغد.