“التثقيف بالنظير” وسط المثليين وممتهنات الجنس .. قصص وتجارب (روبورتاج)

“يتعلم المرء من أقرانه بشكل أفضل من الراشدين المحيطين به” مقولة للفيلسوف الصيني كونفوشيوس تُلخص مقاربة دخلت المغرب ميدانيا في بداية التسعينات من القرن الماضي خصوصا في مجال محاربة السيدا والأمراض المنقولة جنسيا، كما أشارت إلى ذلك دراسة من إنجاز الرابطة المحمدية للعلماء ومركز الدراسات والأبحاث في القيم وصندوق الأمم المتحدة للسكان همت “مقاربة التثقيف بالنظير في المغرب”.

المنظمة الإفريقية لمحاربة داء السيدا الحاصلة على صفة المنفعة العامة سنة 2002، وتأسست سنة 1994، تربطها شراكة مع وزارة الصحة ومع مؤسسات اخرى من أجل “تنسيق الجهود في مجال الصحة الجنسية والإنجابية من أجل ضمان الوقاية والتكفل بالأمراض الجنسية”، تعتبر رائدة في مقاربة التثقيف بالنظير، في هذا الإطار التقى “سيت أنفو” مجموعتين تعملان بهذا الأسلوب للإقتراب أكثر من فئة المثليين والعاملات في الجنس، بكل من مدينة مكناس وفاس في أواسط شهر أكتوبر من سنة 2021.

مقر فرع المنظمة الإفريقية لمكافحة السيدا – فاس

من الاستفادة إلى التثقيف 

خديجة، (اسم مستعار)، تبلغ 28 سنة بحماس تتحدث عن دورها التوعوي وسط العاملات في الجنس، “أنا من هذه الفئة وأفهمها جيدا، وكنت مستفيدة من منظمة أوبالس – فاس لمدة خمس سنوات، وأصبحت أحد مؤطريها بعد تلقي تكوينات وبرامج تعليمية، وهذا العمل يجري في دمي، ونطمح للوصول إلى (زيرو سيدا سنة 2030)، نفس الأمر عبّر عنه يوسف (اسم مستعار)، لا يتجاوز عمره 22 سنة، أثناء حديثه  للموقع، “تمنيت لو كنت أعرف الجمعية في وقت مبكر”.

“نستهدف فئة المثليين بمدينة مكناس والنواحي لأنهم أكثر عرضة لمرض السيدا عبر  تقديم عدد من المعلومات حول الأمراض الجنسية، وتحفيزهم للقيام بتحليلة الإيدز، أغلبية المرضى في هذه الحالة يستكينون للصمت إما خوفا من العائلة أو من استشارة الطبيب، مجتمعنا لا يولي أي اهتمام بالصحة الجنسية، فهناك وصمة عار تلاحق المريض، والدليل على ذلك الأغلبية لا تستطيع الذهاب لأخذ الواقي الذكري من الصيدليات رغم اقتناعهم بأهميته في الوقاية”، هكذا يروي يوسف دوره.

وأكد الطالب بجامعة مولاي إسماعيل بمكناس أن “المجتمع تطور في فهم الأمراض الجنسية ولكن في اعتقادي هذا ليس كافيا.  خلال عملنا في الميدان نجد تخوفا من الفئة المستهدفة، لذلك نركز على أصدقائنا ومحيطنا من نعرفهم، بعدها نتواصل عبر حملات التوعية، ونقدم النموذج لهم بأنفسنا، من قبل كنت أذهب إلى المراكز الصحية الخاصة لإجراء تحليلة الكشف عن السيدا، أما الآن فتوجد “أوبالس”.

نفس المعاناة

وأبرزت زاوي كوثر، وسيطة علاجية لفائدة المتعايشين مع فيروس السيدا بفرع أوبالس – فاس، أن “الجمعية تعمل مع أربع فئات هشة، وهم العاملات في الجنس، والمثليين، والمهاجرين، والمتعايشين مع فيروس السيدا”،  وفي هذا السياق أردفت أنه “نتواصل مع هذه الفئات عن طريق من ينتمون إليهم من أجل إقناعهم لزيارة المركز من أجل الاستفادة من خدماته، في هذا الوقت يبدأ دورنا من الإستقبال، وتوفير الطبيب، والأدوية إذا كانت متوفرة، والعازل الطبي بالمجان”.

زاوي كوثر، وسيطة علاجية لفائدة المتعايشين مع فيروس السيدا – فرع أوبالس – فاس

قبل أن تضيف  بديعة (اسم مستعار) تبلغ 34 سنة، مطلقة، بصوت مرتفع، “نتحدث مع فئة نعرفها جيدا، يعني نفس المعاناة مررنا بها، لهذا يكون الإقناع سهلا، لكل واحدة ومعاناتها، هناك من تجلس في المنزل وتنتظر زبنائها، والأخرى في حانة، أو مقهى أو الشارع، لذلك نذهب إلى تلك الأماكن للتوعية.”

وتقول بديعة في ختام حديثها إن استقبال عاملة في الجنس في الجمعية بالابتسامة دون أفكار مسبقة أمر لا يمكن تخيل تأثيره”.

 شددت بديعة على أن “إحدى النتائج التي وجدناها من خلال عملنا الميداني، أن الفتيات أصبحن لا يقمن بالعلاقة الجنسية بدون واقي ذكري مهما كان المقابل المادي، وتشترطن  ذلك في أول مكالمة لها مع الزبون قبل لقائهما ، رغم أن (الكليان) يقول: (واش تعطيني ناكل الحلوة في الكاغيط)، و(انا واخا ما يكون عندي ما ناكل ما نعسش بلا عازل طبي)”.

الوصم والتمييز  

وفق ما أورده موقع الأمم المتحدة، قالت “ويني بيانيما”، المديرة التنفيذية لبرنامج الأمم المتحدة المشترك المعني بفيروس نقص المناعة البشرية “الإيدز”،  أن “الوصم والتمييز يأتيان بنتائج عكسية” لأن ذلك يعرّض الأفراد للعنف والمضايقة والعزلة، ويعترض طريقهم نحو الحصول على خدمات الصحة”، ولفت البرنامج أن “الأشخاص الذين يتعرّضون للوصم أو يتخوّفون من التعرّض للوصم يميلون لعدم التوجه للحصول على خدمات الرعاية الصحية”.

في هذا الإطار، أكدت فاطمة الزهراء العروسي، المسؤولة بفرع منظمة اوبالس بمدينة مكناس، أن “فئة المثليين تعاني أكثر من الوصم والتمييز في قطاع الصحة بمجرد الوصول إلى المستشفى أو المستوصف، طبعا قطاع الصحة ركز مؤخرا على إزالة الوصم والتميز، لكن هذا غير كاف، ويجب العمل أكثر، والجمعية توفر مرشدا قانونيا في حالة التعرض لهذا الأمر، في قطاعات أخرى الوصم والتمييز أكثر”.

 

فاطمة الزهراء العروسي، مسؤولة بفرع منظمة اوبالس – مدينة مكناس

 

بديعة (اسم مستعار) أشارت إلى أنه “إذا ذهبت العاملة في الجنس إلى مستوصف الحي ستجد صعوبة مع حارس الباب أولا لأنه  يتدخل في ما لا يعنيه، فغالبا ما يردد على مساميعها أنت ممتهنة للجنس، (ماعندكش الحق تداواوي).

وتضيف المثقفة بالنظير أن” هذا واقع، يوجد تمييز وعنصرية في الصحة، و(عمرني مشيت للطبيب د الحومة، وفاش عرفت الجمعية جيت تناخذ اي حاجة، وكاينة الثقة، وحتى حتى حاجة ما تتخرج”.

وواصلت حديثها، “إذا ذهب شاب عند طبيب الحي (غا ايقول ليه ها المشكل تيقولك، واش مزوج، ملي تتقول ليه لا، تيبقا اطلع فيك وانزل)، من يجد حرجا أكثر، من تقوم بمهنة عاملة في الجنس في الخفاء، وتجدها تلبس (الدرة والجلابة)، وأفضل الذهاب للصيدلية مباشرة لأنهم لن يحرجونني بأسئلتهم، لأنهم لن يعرفونني ولا أعرفهم”.

وأردفت أنه “قد تجد فتاة (داز عليها عشرة لكي تجمع 200 درهما، وملي تنهضر معاها، تتقولك الكليان ما تيبغيش ادير العازل الطبي، هنا واخا تتكون مريضة ما تتمشيش للطبيب، ولا تعرف من نقل إليها المرض، وهي تنقله  سريعا دون أن تعرف، وإذا ذهب يقول لها سكيرتي (شبعيتي عاد جايا)”.

حماية المعطيات الشخصية

شدّدت فاطمة الزهراء العروسي المسؤولة على فئة المثليين بفرع أوبالس بمدينة مكناس، على أن “المستفيدين من الجمعية نحمي معطياتهم الشخصية لذلك نضع لهم رموزا وليس أسمائهم، ويسلمون بطاقة يكفي الإدلاء بها من أجل الاستفادة من خدمات المنظمة، وأعضائنا يعملون بأريحية في الميدان، والجميع يعرف المجهودات التي نقوم بها، والعمل يسهل إذا كان الشخص يتواصل مع فئة ينتمي إليها”.

لا تقتصر حماية المعطيات الشخصية أثناء الاستفادة من خدمات المنظمة، بل حتى عند ثبوت الإصابة بفقدان المناعة المكتسبة، بشكل نهائي، أوضحت زاوي كوثر، وسيطة علاجية لفائدة المتعايشين مع فيروس السيدا بأوبالس – فاس أن “أغلبية المصابين بالسيدا لا يريدون أن يعرف الناس بإصابتهم، مثل فئة ممتهنات الجنس الذين لا يريدون أن يعرفهم الناس أنهم يزاولون هذا الأمر”.

ولفتت زاوي أن “هناك من ليس لديه أدنى حرج في الاعتراف بعمله في الجنس ولكنه يخشى الاعتراف بإصابته بالإيدز علنا خلال عملي مع فئة المتعايشين أكون حريصة على احترام الشخص الذي لا يرغب التعرف عليه، حتى ممن هم  مصابون مثله، ولم نصل بعدُ في المغرب لدرجة إعلان الشخص اصابته بسبب قلة الوعي، ويجهل الكثيرون  أن أخذ الدواء لمدة معينة يصبح فيها الفيروس غير مرئي، وحينها لا يعدي”.

تعليقا على ما قالته المسؤولة في الجمعية، أبرزت بديعة (اسم مستعار) “لنا كامل الثقة في الجمعية، وفي حرصها على سرية معطياتنا، (واخا تنديرو هاذشي ما تنبغيوش اعرفونا الناس)، يمكن هناك شخص لا يهتم للأمر، ولكن شخص قريب مني، لا أريده أن يعرف، المجتمع لا يرحم، وكل واحد ووسطه الاجتماعي”. 

التثقيف بالنظير في زمن كورونا

لما حل فيروس كورونا ضيفا ثقيلا على المغرب لم يتوقف عمل التوعية بالمنظمة وإن قلت وتيرته  بسبب الإجراءات الاحترازية مثل الحجر الصحي، إذ أكدت بديعة (اسم مستعار) أن “عملنا بالتوعية في زمن كورونا خصوصا في فترة الحجر الصحي استمر رغم صعوبة الوضعية، وأصبحت المنازل هي المكان المفضل لدى الزبناء بفعل الحجر الصحي أنذاك، لأن الفضاءات الأخرى مغلقة، وكل منزل أو مكان أو شخص له زبنائه، وتلك الفتاة أيضا عليها أداء مصاريف كثيرة”.

وأوضحت أن “العاملة في الجنس تضع الكمامة خوفا من كورونا والعازل الطبي للوقاية من الأمراض الجنسية أو الحمل الغير المرغوب فيه، وكان الكثير منهم (تيعيطو لينا) لكي نسلمهم العازل الذي تقدمه المنظمة بالمجان لأننا ربطنا علاقات انسانية معهم ويثقون فينا، و(ما يمكنش بنادم اكلس وما يخرجش اضبر على المصروف)، أربعة الأشهر الأولى كانت (مزيرة) لكن بعد ذلك الزبناء بدأ (ازعموا)”.

إصابات بالسيدا وسط اليافعين

وذكرت زاوي في حديثها أن “الفئات التي نجد عندها الإصابة بفيروس السيدا، هم العاملات في الجنس، والمثليين، والمهاجرين، مثلا في سنة 2021 وجدنا أربعة حالات إصابة بالإيدز بفاس، أما السنوات السابقة كنا نجد عدد الحالات مابين ستة وعشرة، والتراجع في 2021 سببه جائحة كورونا التي أثرت على وتيرة  التحليلات”.

وكشفت المسؤولية بالمنظمة أن “أغلبية المصابين بفيروس السيدا في سنتي  2020 و2021  بفاس لا يتعدى سنهم 22، والغريب أن وضعيتهم هشة، ولا تسمح حتى امكانياتهم المادية بالقدوم إلى المركز، مما يدفعني للتكفل أحيانا برحلة أحد منهم من مالي الخاص، لكي يتابع علاجه”

وتشير المتحدثة أن “سبب انخفاض سن المصابين هو عامل السن نفسه والوضعية الاجتماعية التي تدفع من عمره 18 سنة وأكثر إلى امتهان الجنس، وللأسف لا يعرفون الحماية وكيفية القيام بها”.

مباشرة أرجعت فوزية منير، مسؤولة على برنامج فئتي ممتهنات الجنس والمهاجرين بأوبالس – فاس، أن “سبب الإصابة لدى فئات عمرية صغيرة بفيروس نقص المناعة المكتسب-HIV هو عدم وجود توعية من طرف الآباء ، كما أن الثقافة الجنسية  لا تدرس في المدارس على الأقل في المستوى الاعدادي”.

فوزية منير، مسؤولة على برنامج فئتي ممتهنات الجنس والمهاجرين بأوبالس – فاس

عندها حكت بديعة (اسم مستعار) أن “ابني لا يتجاوز عمره 18 سنة ظهرت عليه طفيليات على أعضائه التناسلية في وقت الحجر الصحي، ولم يقل لي ذلك، إلا عندما أصبح لا يستطيع التحرك بحرية، عندها أصررت على رؤية المنطقة المتضررة، واعترف لي أنه قد مارس العادة السرية بأحد المواد الموجودة في المنزل”.

وتابعت حديثها بكل حرقة، “ذهبت عند طبيب  الجمعية ومعي صور المكان المتضرر، وبعد أخذ الدواء أصبح بخير، وكل السيناريوهات خطرت في بالي، ربما عاشر ولدا أو فتاة لأنه طفل، ولا يعرف وجود الأمراض وغيرها”.

وتقول بتحسر، “لو كانت الثقافة الجنسية تدرس  في المدرسة لكان الأمر سهلا، لأن الطفل مهما كان يخاف من والديه، ومعرفتي بالأمراض الجنسية جعلتني أنقذ الموقف، هنا استفدت من التكوينات التي تقدمها المنظمة”.

وكشفت فوزية المسؤولة بمنظمة أوبالس – فاس، أن عدد ممتهنات الجنس الذين  تمت توعيتهم في سنة 2019 بلغ 3466 فتاة، 647  أقل من 25 سنة، وقامت 543 منهم بتحليلة الإيدز منهم 94 تحت 25 سنة، وتم توزيع حوالي 118080 واقي ذكري،  وفي سنة 2020 تم تحسيس 2037 فتاة، وقامت بالتحليلة منهم 125  أقل من 25 سنة، ووزع 56416 عازل طبي، وهذا التراجع سببه جائحة كورونا التي أدت إلى عدم تنظيم الحملات الميدانية.


هزة أرضية تضرب سواحل الحسيمة وخبير في الزلازل يوضح

whatsapp تابعوا آخر الأخبار عبر واتساب






انضم إلينا واحصل على نشراتنا الإخبارية




زر الذهاب إلى الأعلى