التامك ينبّه إلى معضلة الاكتظاظ وارتفاع المعتقلين الاحتياطيين بسجون المغرب

نبّه محمد صالح التامك، المندوب العام لإدارة السجون وإعادة الإدماج، إلى بعض الإكراهات التي أضحت ملازمة لقطاع السجون بالمغرب، مبرزا في الوقت ذاته الجهود التي تبذلها المندوبية العامة لتحصين المكتسبات السابقة ولتكون في مستوى التحديات الحالية والمستقبلية.

وأوضح التامك، في كلمة له اليوم الأربعاء، خلال الجلسة المخصصة لعرض ومناقشة الميزانية الفرعية للمندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج، بلجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان بمجلس المستشارين بمجلس المستشارين، أن قطاع إدارة السجون وإعادة الإدماج تحكمه معادلة ثنائية صعبة تتعلق بتدبير الآثار الوخيمة لمعضلة الاكتظاظ من جهة، وبضرورة تنزيل الأوراش الاستراتيجية الكفيلة بأنسنة المؤسسات السجنية وصون كرامة نزلائها من جهة أخرى.

وتأتي على رأس هذه الأوراش الاستراتيجية، تلك المتعلقة بتحسين الأوضاع المادية والإدارية لموظفي هذا القطاع الذين يضطلعون بمهام شاقة ومحفوفة بالمخاطر في حين يغمرهم إحساس قوي ومثبط بالغبن والحيف، وذلك بسبب الـتأخر في الاستجابة لمطلب المندوبية العامة لدى الحكومة بمماثلة تعويضات موظفي هذا القطاع بما هو مخول لأمثالهم في القطاعات المماثلة، بحسب المندوب العام لإدارة السجون.

وأضاف التامك أنه خلال الزيارات التي قام بها مؤخرا لمختلف المؤسسات السجنية، لامس لدى موظفي هذه المؤسسات صفات الانضباط والإخلاص في العمل ونكران الذات منقطعة النظير، وفي الآن ذاته، شعورا بالحيف والغبن بعدم إقرار تعويضات لصالحهم تتلاءم وصعوبة مهامهم وتحفزهم على المزيد من البذل والعطاء وتعزز لديهم الإحساس بالفخر بالانتماء لهذا القطاع.

ولا شك في أن ما يزيد من صعوبة عمل هذه الفئة من موظفي الدولة، هو الضغط المترتب عن تدبير الأعداد المتزايدة من السجناء، خاصة من حيث الحراسة والتأطير والخدمات المرتبطة بالتغذية والنظافة والرعاية الصحية، حيث عرف عدد السجناء ما بين شهري أكتوبر من سنتي 2021 و2022 ارتفاعا بلغت نسبته 10 %، بعدما انتقل من 89000 إلى 98.000 سجينا خلال هذه الفترة، علما بأن هذا العدد مرشح في المستقبل المنظور لأن يبلغ 100.000 وفقا لنسبة ارتفاع عدد الساكنة السجنية في الثلاث أشهر الأخيرة من السنة، كما أن هذا الرقم القياسي المسجل في عدد السجناء يرافقه ارتفاع في نسبة الاعتقال ببلادنا والتي بلغت 265 سجينا لكل 100.000 نسمة  خلال هذه السنة، وهي النسبة الأعلى مقارنة بدول الجوار حسب آخر المعطيات المتوفرة برسم سنة 2021 (تونس  196، موريتانيا 43 ، 217 في الجزائر ، اسبانيا 116، فرنسا 106 وإيطاليا 95 لكل  100.000 نسمة)، يقول التامك.

ونبّه التامك، أيضا، إلى ظاهرة ارتفاع نسبة المعتقلين الاحتياطيين، فبعدما تم تسجيل نسب منخفضة بلغ أدناها 39% في متم دجنبر 2019، عادت هذه النسبة لترتفع تدريجيا وتبلغ في متم شتنبر 2022، 43%، وذلك رغم الجهود المبذولة من طرف السلطات القضائية لترشيد اللجوء إلى الاعتقال الاحتياطي، مبرزا أن هذا الإكراه يطرح إشكالات عدة على مستوى تدبير شؤون هذه الفئة من المعتقلين بحيث يتعذر إدماجهم في البرامج الـتأهيلية نظرا لانشغالهم بمصير قضاياهم، كما يصعب إعمال التصنيف الملائم لهم خاصة في ظل محدودية الطاقة الاستيعابية للمؤسسات السجنية.

ويدفع هذا الإكراه للحديث من جديد عن الحلول المثلى لمعالجة هذه المعضلة، حيث ثمّن التامك في هذا السياق الخطوة التي أقدمت عليها وزارة العدل المتمثلة في الإسراع بإخراج مقتضيات العقوبات البديلة إلى الوجود من خلال تخصيصها بنص قانوني مستقل، وهو النص الذي تفاعلت معه المندوبية العامة عن طريق تقديم مقترحات إلى وزارة العدل تقضي بمراجعة المعايير المعتمدة بهدف توسيع الفئة الخاصة بالحالات المعنية بهذا النوع من العقوبات، وبالتالي تقليص عدد المعتقلين. وينبع هذا المقترح من خلاصات الدراسة التي سبق وأن أنجزتها المندوبية العامة بتعاون مع خبراء مختصين والتي أظهرت بأن عدد المستفيدين يبقى جد محدود مقارنة مع النتائج المرجوة من تنزيل هذا القانون في ما يخص الحد من الاكتظاظ في السجون، بحسب التامك.

وقال المندوب العام لإدارة السجون، إنه “لا يمكن الحديث عن ارتفاع عدد المعتقلين دون الحديث عما تتطلبه معالجته من مشاريع لتوسيع حظيرة السجون، علما بأنه لا يمكن بأي حال من الأحوال مسايرة هذا التصاعد المتسارع خاصة في ظل قلة الاعتمادات المخصصة على مستوى ميزانية الاستثمار، ناهيك عن المدة الطويلة التي تستغرقها مشاريع البناء بدءا من مرحلة البحث عن الأوعية العقارية المناسبة، مرورا بالإعلان عن طلبات العروض، وصولا إلى مرحلة التجهيز وتعيين الموارد البشرية الكافية لضمان جاهزية المؤسسة السجنية للعمل واستقبال المعتقلين”.

وتراهن المندوبية العامة على تنزيل تصور “تمويل بناء السجون” الذي سبق الإعلان عنه السنة الماضية في إطار مقترح تم إحالته على وزارة الاقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة وهو حاليا قيد الدراسة. ويهدف هذا التصور إلى تخفيف العبء على ميزانية الدولة من خلال اقتراح تمويل بناء المؤسسات السجنية في إطار الشراكة مع القطاع الخاص أو من خلال آلية التمويل المؤسساتي.

وفي ظل الإكراهات السالفة الذكر، تواصل المندوبية العامة جهودها الحثيثة لتنزيل مختلف البرامج والمشاريع المسطرة في خطتها الاستراتيجية للفترة 2022-2026، كما تعمل باستمرار على البحث عن كافة الحلول الممكنة لدعم هذه الجهود، بما فيها الشراكة والتعاون مع كافة المؤسسات والفاعلين الذين يمكن أن يساهموا في الرقي بمنظومة السجون وتحسين أوضاع السجناء، يورد التامك.

وتاع التامك، أنه من بين هذه المؤسسات والفاعلين، هناك مجالس الجهات، حيث بادرت المندوبية مرة أخرى، بعد مبادرات غير مثمرة خلال الفترة الانتدابية المنصرمة، إلى تقديم مقترحات شراكة مع هذه المجالس الجهوية تروم إدراج المؤسسات السجنية في مخططات التنمية على المستويين المحلي والجهوي، باعتبار هذه المؤسسات مرفقا عموميا كسائر المرافق العمومية الأخرى، وكذا انسجاما مع الرؤية الجديدة للنموذج التنموي المقترح بشأن دور المجالات الترابية والتي تكرس المكانة المركزية للجهات.

وقد أسفرت الجهود المبذولة في هذا الصدد عن توقيع اتفاقيات شراكة مع 07 مجالس جهات وهي: الداخلة وادي-الذهب، وكلميم-واد نون، وسوس-ماسة، ودرعة تافيلالت، والرباط-سلا-القنيطرة، وفاس-مكناس، وطنجة تطوان الحسيمة، إضافة إلى اتفاقيتي شراكة في طور التوقيع مع جهتي مراكش-آسفي والشرق واتفاقية شراكة مع مجلس جهة بني ملال-خنيفرة تمت المصادقة عليها. وبذلك وصل مجموع الجهات الشريكة إلى 10 من أصل 12، ونأمل أن يتم تنزيل هذه الاتفاقيات وفق الأهداف المسطرة لها وفي الآجال المناسبة، كما نتمنى أن تحذو باقي الجهات حذو نظيراتها وتتفاعل مع مبادرة المندوبية العامة النابعة من حرصها الدائم على الانفتاح وإعمال المقاربة التشاركية في سعيها إلى الرقي بالمنظومة السجنية وتحسين أوضاع السجناء والسجون.

ويعتبر توقيع هذه الاتفاقيات أحد أبرز الإنجازات المحققة لسنة 2022 لما ستتيحه من تكريس للبعد المحلي في تدبير الشأن السجني وجعل المؤسسة السجنية مرفقا عموميا مندمجا في مجاله الترابي.

أما في ما يتعلق بالإنجازات المندرجة في إطار مواصلة تنزيل الورش الاستراتيجي المتعلق بأنسنة ظروف الاعتقال، فقد واصلت المندوبية العامة جهودها للرفع من الطاقة الاستيعابية وتحسين شروط إقامة النزلاء وتحسين جودة التغذية وتعزيز النظافة وخدمات الرعاية الصحية وتكريس المقاربة الحقوقية بالمؤسسات السجنية، حيث تم في هذا الصدد، بحسب التامك، استكمال أشغال بناء السجن المحلي الجديدة 2 وإعادة تهيئة السجن المحلي بالخميسات في أفق افتتاحهما في غضون الأسابيع القليلة القادمة؛ مواصلة أشغال بناء مؤسستين سجنيتين بكل من العيون وتامسنا؛ الشروع في أشغال بناء السجن المحلي الصويرة 2؛  مواصلة أشغال إعادة التهيئة وإحداث الولوجيات المخصصة للأشخاص محدودي الحركة بعدد من المؤسسات السجنية؛  إنهاء أشغال إحداث محطات معالجة المياه العادمة ب 4 مؤسسات سجنية مع تسجيل تقدم كبير في إنجاز هذه المحطات بباقي المؤسسات السجنية المعنية وكذا في مشاريع الربط بشبكات تطهير السائل العمومية التي تم إطلاقها ببعض المؤسسات السجنية.

وتندرج هذه المشاريع في إطار اتفاقية الشراكة الموقعة سنة 2020 مع وزارة الداخلية ممثلة في المديرية العامة للجماعات المحلية. وتعزز هذه المشاريع جهود المندوبية العامة الرامية إلى حماية محيط المؤسسات السجنية من الإشكاليات البيئية المحتملة والمرتبطة بالمياه العادمة، والتي مكنت إلى حدود الآن من تجاوز هذه الإشكاليات في 71 مؤسسة سجنية عن طريق ربط 52 منها بشبكات تطهير السائل العمومية وإحداث محطات لمعالجة المياه العادمة ب19 مؤسسة سجنية، حيث لازال الإكراه قائما في سجنين فقط، ويتعلق الأمر بالسجن المحلي بتاونات الذي أبرمت صفقة بشأنه، إلا أن السلطات المحلية طلبت إرجاء تنفيذ الأشغال إلى حين إعادة النظر في شبكة الصرف الصحي بالمدينة، والسجن المحلي بتارودانت الذي تمت برمجة صفقة بشأنه علما بأن هذه المدينة لا تتوفر على محطة لمعالجة المياه العادمة.

كما سلّط التامك، الضوء على جهود مندوبية السجون المتعلقة بإنجاز وتنفيذ صفقات عمومية تتعلق بتعزيز التجهيزات بعدد من المؤسسات السجنية من أسرة وأغطية ذات جودة عالية ومضادة للحرائق وأفرشة وأجهزة التلفاز؛ ومواصلة تحسين تغذية السجناء كما وكيفا من خلال تضمين دفتر التحملات الجديد الخاص بها بنودا جديدة مع مراجعة البرنامج الغذائي على إثر التقييم المستمر لمدى ملاءمته واستحسانه من طرف السجناء، وتحسين جودة القوائم الغذائية الاستثنائية الخاصة بالمناسبات والأعياد الدينية وبشهر رمضان المبارك، إضافة إلى تجهيز أربع (04) مؤسسات سجنية إضافية بمخابز حديثة لضمان جودة مادة الخبز، ليصل عدد المؤسسات التي تتوفر على مخابز حديثة إلى 32 مؤسسة، علما بأن 6 مؤسسات أخرى يتم تزويدها بمادة الخبز من المؤسسات القريبة التي تحتوي على هذه المحلات؛

وعلى مستوى الرعاية الصحية، واصلت المندوبية العامة تعزيز مستوى الخدمات الطبية المقدمة لفائدة السجناء الوقائية، والعلاجية والنفسية مع تحسين التكفل بالنسبة للفئات الهشة والسجناء في وضعية إعاقة من خلال إحداث وتجهيز وحدات طبية جديدة ووحدات تمريضية وعيادات طب الاسنان، واقتناء التجهيزات الطبية لبعض المؤسسات السجنية، وتأمين حاجيات جميع المؤسسات السجنية من المعدات واللوازم الطبية الأساسية، إضافة إلى تعزيز الأطر الطبية وشبه الطبية مع ضمان تغطية طبية شاملة بالمؤسسات السجنية التي لا تتوفر على طبيب قار وذلك بالتعاقد مع أطباء القطاع العام والخاص أو بتكليف أطباء المؤسسات الأخرى وفق برنامج للتنقل لهذه المؤسسات، أو باعتماد منصة التطبيب عن بعد التي تم إرساؤها ب 22 مؤسسة سجنية.

هذا وتسعى المندوبية العامة إلى إدراج الرعاية الصحية بالسجون ضمن إصلاحات المنظومة الصحية الوطنية في إطار مشروع قانون-إطار 06-22 (المادة 3 من القانون الإطار لوزارة الصحة والحماية الاجتماعية)، حيث تمت مراسلة وزير الصحة في الموضوع من أجل إحداث لجنة مشتركة للانكباب على خلق انسجام بين الاستراتيجية الوطنية للصحة في الوسط السجني وتوجهات القانون الإطار السالف الذكر.

وفي إطار تدبير جائحة كوفيد يتواصل إعمال المراقبة اللازمة لرصد أية حالة مشتبه في إصابتها والقيام بالمتعين وفق البرتوكول المعمول به على الصعيد الوطني، إضافة إلى استمرار العمل بالإجراءات الاحترازية وإخضاع الوافدين الجدد لحجر صحي لمدة تم تخفيضها من 10 إلى 5 أيام بعد التحسن الملحوظ في الوضعية الوبائية ببلادنا، ومواصلة حملات التلقيح ضد هذا الفيروس وفق المعايير الوطنية المعتمدة من طرف وزارة الصحة مع احترام الإطار القانوني والبرنامج الوطني الخاص بالفئات العمرية المستفيدة.

وسعيا إلى تكريس المقاربة الحقوقية بالوسط السجني، تواصل المندوبية العامة ترسيخ ثقافة حقوق الإنسان في صفوف موظفي ومسؤولي المؤسسات السجنية من خلال آليتي التكوين الأساسي والمستمر في مجالات حقوق الإنسان والوقاية من التعذيب، وكذا تعزيز الانفتاح والتعاون مع آليات المراقبة الوطنية على رأسها المجلس الوطني لحقوق الإنسان وكذا المنظمات الدولية المعنية والمنظمات غير الحكومية المهتمة بحقوق الانسان.

وتجدر الإشارة في هذا السياق إلى عرض ومناقشة التقرير المعد من طرف مركز دراسات حقوق الإنسان والديموقراطية بتعاون مع المندوبية العامة وبدعم من مركز جنيف لحكامة القطاعات الأمنية، حول “وضعية السجون بين المعايير الدولية والتشريعات الوطنية ومتطلبات الإصلاح”، في ندوة خاصة يوم 16 مارس وعلى هامش اجتماع اللجنة المشتركة المعنية بتنفيذ اختصاصات المندوبية العامة المنعقد يوم 27 أبريل وبلجنة العدل والتشريع بمجلس النواب يوم 17 ماي 2022.


سفيان رحيمي يثير ضجة في مصر

whatsapp تابعوا آخر الأخبار عبر واتساب






انضم إلينا واحصل على نشراتنا الإخبارية




زر الذهاب إلى الأعلى