الصّبار.. سياج للأراضي أصبح “ذهبا”
150 ألف هكتار من مجموع الأراضي المتواجدة بمختلف ربوع المملكة، موجهة لزراعة من نوع خاص. قد تبدو في الوهلة الأولى أنها بسيطة وغير نافعة، إلا أنها في الحقيقة زراعة باتت توصف بـ “الذهب الأخضر”.
إنها نبتة الصّبار.. في القدم كان معظم سكان القرى يستعملونها في تسييج أراضيهم وحجب الرؤية عن منازلهم، غير أن ذلك سرعان ما تغيّر، خصوصا بعدما أثبتت الدراسات أهمية النبتة وفوائدها الثمينة. كما أن برنامج مخطط المغرب الأخضر، الذي أطلق سنة 2008 حوّل حياة الكثيرين من زارعي “الصبّار” إلى فاعلين أساسيين في تنمية عجلة الاقتصاد المغربي.
“نعمة من الله”
تتركز أراضي الصبار، أساسا في جميع مناطق المغرب من طنجة شمالا إلى كلميم جنوبا، بمساحة تناهز 150 ألف هكتار، يصرّح المهندس الزراعي، عبد الرحمان آيت حمو، إلا أن كل منطقة من ربوع المملكة تتوفر على خصائص تميّزها عن غيرها سواء من حيث المساحة أو من حيث نوع الصبّار.
منطقة آيت باعمران (جنوب المغرب) تحظى بمساحة زراعية من الصبار تقدّر بـ 50 ألف هكتار، فيما تتوفر منطقة الرحامنة (الوسط) على زهاء 30 ألف هكتار، أما الريف (الشمال) فيشكل الصبّار حوالي 1500 هكتار من مجموع مناطقه الفلاحية.
رشيد، أحد مسيري تعاونية “الهذيان” بالرحامنة، يقول إنه استثمر حوالي 5 آلاف هكتار في زراعة الصبار، معتمدا في ذلك على خبرته وبعض الدراسات العلمية، التي تلقاها على يد بعض العارفين بفوائد الصبّار.
“تلقينا توجيهات عدة من أطر وزارة الفلاحة المشرفين على مخطط المغرب الأخضر، وكنا نحظى بزيارات شبه دورية لمهندسين وأخصائيين قصد تعريفنا بالطرق الصحيحة للاستفادة من الصبار وكيفية زراعته”، يضيف.
استعمالات مختلفة وأنواع متعددة
جل الفلاحين المتخصصين في الصبّار يعددون استعمالاته، فمنهم من يكتفي به علفا للماشية (ألواح الصبّار)، ومنهم من يستخرج منه مواد التجميل من غسول للشعر وزيوت للبشرة، نظرا للإقبال المتزايد عليها.
“الصبّار بمثابة نعمة بالنسبة إلينا.. نستعمله علفا للماشية ونستخرج منه الزيوت الطبيعية الغنيّة.. نحمد الله على هذه النعمة”، يصرّح أحد مسيري تعاونية للصبار نواحي أبي جعد.
استعمالات نبتة الصبّار المتعددة تُفسّر بغنى أنواعها، إذ تتميز كل منطقة بالمغرب بنوع معين يتماشى وتقلباتها المناخية، فهناك “الدلاحية ” بالحسيمة و”الدكالية” بدكالة و”المجذوبية” بالمحمدية، وفقا لما أطلعنا عليه، المهندس الزراعي، آيت حمو.
منتوجات “بيو” تسيل لعاب نون النسوة
لعل أكثر ما يجذب النساء الفلاحات لزراعة الصبار هو الطلب المتزايد عليه من قبل السيدات اللواتي يرغبن في استعماله كمادة تجميلية، فجل ممثلات التعاونيات التي تواصل موقع “سيت أنفو” معهن، أكدن أنه فعال في العناية بالبشرة والشعر.
بالنسبة لسعاد، إحدى مسيرات التعاونية النسوية “بلادي” الكائنة بمنطقة الرحامنة، فاستغلال الصبّار في التجميل ساهم بشكل مهم في إعطائه مكانة محترمة بين المهتمين، إذ على الرغم من ارتفاع أسعار الزيوت المستخرجة من نواة الصبّار (تصل أحيانا لـ 10 آلاف درهم للتر الواحد) إلا أنها تبقى مثار اهتمام.
تكاد تجزم مريم، المسؤولة بتعاونية “واحة تغماس” بكلميم، أن استعمال الصبّار في التجميل يطغى عن استعماله كفاكهة أو مربى.
وتعزز فاطمة، أمينة مال، التعاونية النسوية “أكناري” بسيدي إفني والتي تضم حوالي 50 منخرطة، قول سابقتها، مؤكدة أن “تحويل الصبار إلى غاسول أو زيت للشعر يُكثر الطلب على التعاونيات النسوية وينقذها من الجمود”.
مورد رزق لمواجهة ضنك العيش
تعود مسيرة تعاونية “واحة تغماس” بكلميم، لتقول إن تطوير مواد نبتة الصبّار أزاح الغبن عن عدد من الشابات، اللواتي حصلن على ديبلومات دراسية مهمة، على حد تعبيرها، ووجدن أنفسهن عالة على أسرهن العاجزة على تأمين انتقالهن للمدينة للبحث عن فرص عمل مستقرة.
وتحظى النساء المنخرطات في التعاونية المذكورة –وحتّى التعاونيات الأخرى التي تواصل موقع “سيت أنفو” معها-، بموارد مالية تكفيهن، تشدد مريم، غير أنها لا تفوّت فرصة الحديث عن المعارض الفلاحية، التي تنظم عادة تحت لواء وزارة الفلاحة، معتبرة أن تلك المناسبات تتيح الفرص أمام التعاونيات الصغيرة للتعريف بمنتجاتها وبيعها.
أرباح ترويج منتجات الصبّار لا تقتصر على التعاونيات النسائية، بل كشف رشيد، مسير تعاونية “الهذيان” بالرحامنة أنه استطاع بفضل مداخيل بيع زيوت الصّبار أن يجني مبالغ مالية محترمة ساعدته في تطوير زراعته.
“الحشرة القرمزية”.. بعبع يخيف الفلاحة
لعل أكثر شيء يهابه الفلاحة وملاك أراضي الصبّار، هو تضررها بحشرات تظهر بشكل شبه موسمي وتأتي على محاصيل كبيرة. صيف السنة الماضية اجتاحت الحشرة القرمزية (حشرة قشرية رخوة على شكل بيضوي)، مساحات كبيرة من نبات الصبّار وأجهزت على فاكهته المطلوبة في الأسواق.
“حطّمتنا الحشرة، ضاع أملنا معها وزادت مخاوفنا بفقدان الذهب الأخضر”، هكذا عبّر أحد الفلاحة، المتضررين من الحشرة القرمزية، غير أنه استدرك القول بأن وزارة الفلاحة ومصالح المكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتوجات الغذائية بادرا إلى التنقيب عن حلول علمية وأدوية فعالة للقضاء عليها وإنقاذ موروث الصبّار من الانقراض.
ومن جهتها، قالت عضوة تعاونية “أكناري” النسوية، إن سيدي إفني لم تسلم بدورها من “الوباء الفتاك”، قبل أن تشير إلى سيطرة المصالح الفلاحية عن الحشرة وتمكنت من معالجتها في سبيل حماية باقي المحاصيل المزروعة من الصبّار.
وعكس ذلك، لم يخف المهندس الزراعي، عبد الرحمان آيت حمو مخاوفه من تدهور زراعة الصبّار، إذ أكد : “تمكنت الحشرة القرمزية من القضاء على مساحات شاسعة ولاسيما بدكالة وسيدي بنور و الرحامنة”.
ولمنع تكاثر الحشرة، قامت مصالح المكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية، شهر غشت الماضي، بطمر النبات المُصاب بمختلف الأراضي التي اكتشف فيها المرض، وخصوصا منطقة سيدي إفني، فيما تمت معالجة باقي الأراضي غير المصابة والمتواجدة بمحيط البؤر، بمواد كيماوية وقائية.
“حلبة” المعارض الفلاحية
تشكل المعارض الفلاحية سواء المقامة بالمغرب أو خارجه أهم اختبار للفلاحين، وبالأخص الذين يطوّرون زراعاتهم لمنتجات غذائية أو تجميلية. تقول مريم عن تعاونية “واحة تغماس” بكلميم، إن تجربتها، التي انطلقت قبل حوالي 10 سنوات مكنتها من التوصل لنتيجة مفادها أن “مواد التجميل وخصوصا المتعلقة بالوجه والشعر، تجذب الزوار وتغريهم، ولا يقف ذلك عند النساء بل حتى الرجال، يرغبون في استعمال كل ما هو مصنوع من الطبيعة”.
مسؤول تعاونية “الهذيان”، رشيد يوافق المتحدثة السابقة الرأي، إذ يجد أن تردده على المعارض الفلاحية وعلى رأسها الموعد السنوي الذي يضربه المعرض الدولي للفلاحة بمكناس، مكّنه من الجزم بأن “مواد التجميل والزيوت تبقى الأكثر طلبا”.
آمال معلقة واستشراف لغد أفضل
“نطلب الله أن يعود الصبّار إلى سابق عهده حين كنا نجني منه مالا يكفينا لسد احتياجاتنا ويساعدنا في تربية الماشية”، يقول رشيد عن تعاونية “الهذيان”، ملفتا الانتباه إلى أن الصبّار ثروة لا يجب التفريط فيها، بل على العكس من ذلك يتوجب تطويرها.
كما أكدت مسيرات التعاونيات النسوية، اللائي تواصلن معهن، أهمية ترويج منتجات الصبّار ودورها الكبير في إخراج أمهات وشابات متمدرسات وغير متمدرسات من وحل البطالة، فهي أعادت الأمل إليهن وجعلتهن يفرضن وجودهن في المجتمع، لاسيما عندما تلقى المنتجات التي يستخرجنها من الصبّار ويطورنها بأناملهن استحسان المستهلكين.
الإكراهات التي تواجه المتعاطين لزراعة الصبّار، تحاول وزارة الفلاحة عبر مؤسساتها ومعاهدها، وكذا معارضها تبديدها، كي لا تقف عقبة في وجه تنمية الاقتصاد الوطني والرفع من مردوديته، لاسيما أن جل تجار الصبّار، هم شباب أخذوا على عواتقهم مسؤولية الانخراط في ركب تطويره.
تابعوا آخر الأخبار عبر واتساب
انضم إلينا واحصل على نشراتنا الإخبارية