استراتيجية الوكالة الوطنية للمياه والغابات في تدبير الحرائق
يجيب المدير الجهوي للوكالة الوطنية للمياه والغابات بمراكش-آسفي، عبد العزيز الحجاجي، في حديث لوكالة المغرب العربي للأنباء، عن أسئلة تتعلق بخصوصيات هذه الجهة على الصعيد الغابوي، ومخاطر اندلاع الحرائق وعوامل تفاقم هذه الآفة خلال فصل الصيف، إضافة إلى الإجراءات المتخذة في إطار استراتيجية استباقية للتصدي لهذه الإشكالية.
1- تتوفر جهة مراكش-آسفي على غطاء غابوي غني ومتنوع، هل من معطيات رقمية بهذا الخصوص؟
يقدر الغطاء الغابوي لجهة مراكش-آسفي، بـ563.955 هكتار أي ما يعادل 10.50 بالمئة من الإجمالي الوطني. وتغطي الغابات الطبيعية 499.460 هكتارا إضافة إلى 64495 هكتارا من الغابات حصيلة برامج التشجير والحراجة.
ومن أهم الغابات الطبيعية هناك غابات الغزوة ونكنافة وتمنار وغابة إفرخس وغابات آيت إيسي وكوراتي وإيدو إيسارين في الجبال الوسطى، دون أن ننسى محمية المحيط الحيوي لشجرة الأركان ، والمنتزه الوطني لتوبقال.
وتتركز أساسا على صعيد أقاليم الصويرة، وشيشاوة، والحوز.
إلا أن هذه الثروة الغابوية مهددة بالحرائق، خاصة في الظرفية الحالية. إذ أن الاضطرابات المناخية الآنية والتي تتميز بالجفاف، وتوالي موجات الحر الطويلة، تحفز عوامل اندلاع الحرائق بالغابات، وتجعلها أكثر عرضة وهشاشة، خصوصا مع غطاء نباتي جاف شديد الاشتعال.
وبلغة الأرقام، عرفت جهة مراكش-آسفي اندلاع 11 حريقا برسم سنة 2022 مع 114.03 هكتارا طالتها النيران ، معظمها من تكوينات عشبية وشجيرات، مقارنة بمعدل 30 هكتارا مسجلة في العشر سنوات الأخيرة.
2- ماهي خصوصيات هذه الجهة (إمكاناتها والصعوبات التي تواجهها) والإجراءات المتخذة للتصدي لهذه الآفة؟
تتميز منطقة الأطلس الكبير بمنظومة غابوية ذات خصائص إيكولوجية وتنوع بيئي ومناظر طبيعية خاصة بالجهة. إلا أن هذه النظم تخضع لضغوطات متعددة كالنمو السكاني، والرعي الجائر، والأنشطة البشرية المكثفة، والقطع غير القانوني للأشجار، إضافة إلى التغيرات المناخية التي تجعل من هذه النظم البيئية الغنية شديدة الهشاشة أكثر عرضة.
كما أن التدابير التي اعتمدها القطاع تأخذ في الحسبان طبيعة الغطاء الغابوي للجهة، خصوصا وأن هذه الأخيرة تحتل المرتبة الثانية وطنيا في ما يتعلق بأنواع الأشجار ذات الخشب اللين، والتي تكتسي قدرا كبيرا من الأهمية ، لكنها شديدة القابلية للاشتعال، إضافة إلى الغابات المتساقطة الأوراق، والتي تغطي 290.590 هكتارا. وتتخذ المديرية الجهوية للوكالة الوطنية للمياه والغابات مجموعة من التدابير الوقائية وتستفيد من منصة رقمية حيث يتم تبادل المعلومات الواقعية الفورية حول واقع النظم الإيكولوجية للغابات.
ويتعلق الأمر برسم خرائط يحدد بوضوح المناطق المعرضة للخطر وفقا لعدة معايير للتحديد المسبق للمواقع ونشر يومي أكثر عقلانية وفعالية لفرق المراقبة والتدخل البري في أسرع وقت ممكن لاحتواء الحريق.
3- تعتمد الوكالة الوطنية للمياه والغابات استراتيجية فعالة في المجال. ما هي أهم محاورها؟
بخصوص استراتيجية الوكالة، فإنها تنطوي على محورين أساسيين هما الوقاية من حرائق الغابات ومكافحتها، وما بعد الحرائق، ذلك أن المحور الأول يعتبر مهما للتدبير المستدام للغابات.
تتبنى الإدارة نهجا عمليا قائما على استراتيجية ومخطط الوقاية من حرائق الغابات ومكافحتها مع شركائها (وزارة الداخلية، والوقاية المدنية، والدرك الملكي، والقوات المسلحة الملكية، والقوات الجوية الملكية، والقوات المساعدة، والسلطات المحلية) للحد من عدد حالات اندلاع الحرائق واحتوائها، بغية الحفاظ على النظم البيئية للغابات والبنيات التحتية وسلامة المواطنين.
وتقوم الوكالة الوطنية للمياه والغابات في هذا الاتجاه بتعبئة وسائل عالية التقنية تراعي جملة من المعايير، بناء على الحالة الراهنة للغابات والحرائق المرجعية مع ثوابت مناخية للمنطقة، وبيانات عن التضاريس، والانحدار، وزاوية إسقاط أشعة الشمس، وعوامل أخرى متعلقة بالتربة والغطاء النباتي، ويتعلق الأمر بوسيلة تمكن من تموضع فرق التدخل البري واحتواء الحريق والسيطرة عليه، مما يسهل التدخل الميداني.
وإضافة إلى الأعمال المبرمجة، تتم صيانة المسارات والطرق في الغابات لتسهيل الولوج إليها، ومصدات النار، وإنشاء نقاط التزود بالمياه، وتشذيب جوانب الطرقات والسكك الحديدية والتيارات الكهربائية، والحراجة الوقائية، إضافة إلى أنها تنطوي على عمليات تهم أيضا إنشاء نوع من التقسيم في الغابات لتجنب “حرائق التاج”، وبالتالي تطور الحرائق إلى حرائق مهولة يصعب التغلب عليها.
كما أن هناك إجراءات مكافحة الحرائق على أربع مستويات من التدخل، والتي تحدد بوضوح خصائص كل شريك من الإنذار إلى السيطرة على الحريق.
ويعتمد المستوى الأول على التدبير السريع، وتدخل مصالح الوكالة الوطنية للمياه والغابات بمجرد اندلاع الحريق باستخدام مركبات التدخل الأول (V.P.I) وعناصر الوقاية المدنية.
أما المستوى الثاني فمعزز بالأسطول الجوي باستخدام طائرات “كانادير “بسعة 6 أطنان من القوات الجوية الملكية، لإخماد الحرائق وأيضا بتعبئة القوات المساعدة لاحتواء الحريق على الأرض وحماية البنيات التحتية والمعدات الحساسة.
وإذا لم تتم السيطرة على الحريق، فيتم إنشاء مركز قيادة في الموقع برئاسة عامل الإقليم. حيث يتم تعزيز نظام التدخل من قبل القوات المسلحة الملكية على الأرض، بدعم من طائرات الدرك الملكي (Turbo Trush) بسعة 1.5 إلى 3 أطنان (المستوى الثالث).
وعندما يصبح من الصعب السيطرة على الحريق بالوسائل الوطنية، يتم اللجوء إلى المساعدة الدولية لتعزيز الأسطول الجوي الوطني المتدخل في المكافحة الجوية.
وبعد كل حريق غابوي، غالبا ما يتم تحفيز التجديد الطبيعي مع دعم حرجي يتمثل بعمليات تشجير موضعي أحيانا. أما التخليف الاصطناعي فيخص المساحات التي طالتها النيران مع عدم وجود أي فرصة للتخليف الطبيعي، ويتم التشجير بأصناف مرنة تتكيف مع الظروف البيئية والمناخية، مقاومة للحرائق ومسببات الأمراض.
ويكمن الهدف من هذا النوع من البرامج في إعادة إنشاء فسيفساء نباتية تشكل موطنا حيويا للحيوانات والنباتات التي ستستقر تدريجيا في المناطق المتضررة.
4- كيف يتم التنزيل الجهوي لخارطة الطريق هذه ؟
يعد تدبير الحرائق رهانا حساسا، نعمل دوما على ترصيد التجارب السابقة مع مختلف المتدخلين.
لا يعترف الحريق الغابوي بالحدود، ومن هنا تأتي الحاجة إلى التفكير في الغطاء النباتي. ومن هذا المنطلق، فإن المديرية الجهوية تدعو ممثلي مختلف الجماعات والقطاعات الوزارية إلى العمل بطريقة متناسقة تتسق مع الموارد البشرية واللوجستية، كل في مجل تدخله، بهدف تدبير ناجع لنظام الوقاية، ومكافحة حرائق الغابات بالجهة.
وتؤدي الحرائق إلى فقدان موائل الحيوانات والنباتات، وتدمير المنظومة البيولوجية، واختفاء المناظر الطبيعية، وتفاقم المخاطر من قبيل انجراف التربة والانهيارات الأرضية، والتصحر، دون ذكر الخسائر الاقتصادية الأخرى.
ومن المؤكد أن أضرار ما بعد الحريق تكون جسيمة على جميع المستويات. ومن هنا تأتي أهمية التحسيس.
5- البعد التوعوي يكتسي قدرا كبيرا من الأهمية أليس كذلك؟
أهمية التربية على المواطنة وضرورة تطوير ثقافة مخاطر حرائق الغابات، هامة للغاية لزيادة الوعي البيئي عند مرتادي الغابات والسياح ، وبشكل خاص سكان المناطق القريبة من الغابات.
كما أن مزيدا من التعبئة الميدانية لتجنب هذا النوع من الكوارث محوري أيضا، ويتم عبر مساهمة المواطنين ومشاركتهم في المحافظة على الغابات، عبر الالتزام بالسلوك المسؤول في الغابات، لاسيما وأن “للحرائق الغابوية عواقب إيكولوجية تمس الاقتصاد المحلي والموروث الطبيعي”. اليقظة والحذر من أولويات جميع المواطنين. لأجل ذلك وجب تبني سلوكيات صديقة للبيئة والتقيد بقواعد واحتياطات بالغابات، مع عدم استصغار أي سبب يمكن أن يؤدي إلى نشوب حريق بها، وتبليغ السلطات في حالة نشوبه، من أجل التدخل الفعال و السريع، بغرض حماية الغابات والحفاظ على سلامة المواطنين، لاسيما خلال فترة الصيف.