معهد صندوق الإيداع والتدبير يبحث نجاحات إفريقيا والتحديات التي تواجهها
يواصل معهد صندوق الإيداع والتدبير تنظيم سلسلة ندواته ( نظرات نحو المستقبل)، في نسختها لسنة 2021، حيث خصص اللقاء الثالث لهذه السنة، والذي نظم عن بعد يوم 15 يونيو الجاري، للقارة الإفريقية وقدراتها من حيث النمو، والنجاحات التي حققتها، والتحديات التي تواجهها.
وذكر المعهد في بلاغ له، أن اللقاء، الذي ركز على موضوع ” إفريقيا ، قارة المستقبل ؟ “، ضم أربعة من الخبراء الأفارقة الذين أدلوا بشهادات حول التحولات الجارية على مستوى القارة.
ويتعلق الأمر، حسب البلاغ، بكل من ماريون سكاباتيتشـي، وهي سيدة أعمال ومؤسسة مكتب الاستشارة والاحتضان والإنتاج Hinterlands، المتخصص في تثمين الأبطال الأفارقة على الساحة الدولية، ثم أسماء شرقي الشريكة التنفيذية في مكتب الخبرة والاستشارة مزار بالمغرب، مكلفة بخدمات الاستشارات الضريبية.
أما الاثنين الآخريين فهما أليـون سـال المنسـق الإقليمي السـابق لبرنامـج الدراسـات الوطنيـة للاستشـراف بعيـد المـدى التابـع لبرنامـج الأمم المتحـدة الإنمـائي في أبيدجـان، والمديـر التنفيـذي المؤسـس لمعهـد المسـتقبلات الإفريقيـة، ثم توفيـق مـرزوقي الـزروالي، مديـر عـام NOVEC، فـرع صنـدوق الإيداع والتدبيـر وفاعـل أساسـي في المجال الهندسي.
وتم التأكيد بالمناسبة ، أنه غالبـا مـا ينظـر إلى إفريقيـا علـى أنهـا منطقـة تعيـش انفجـارا ديموغرافيـا ، ويهيمـن فيهـا السكان الشباب في سن العمل، وتعاني مــن العديد مــن المشاكل ولديها اقتصاديات مرتبطــة بصدمات خارجيـة وتفتقــد إلى المرونــة والقــدرة علــى التأقلــم ، بطالـة جـد مرتفعـة خاصـة وسـط الشـباب، وأعلـى معـدلات الفقـر المذقـع في العالـم ، وأمـل العيـش الأقـل عالميـا، كمـا أنهـا معرضـة بقـوة للكـوارث الطبيعيـة.. إلـخ .
بيد أن هذا التصور يخفـي التغيــرات الهيكليــة التي تشهدها القارة، فقــد سـجلت المنطقــة سلســلة مــن الإنجــازات الاقتصادية الهامــة منــذ بدايــة الألفية : خــلال الفتــرة الممتدة مــا بيـن 2000 و2019 ، بلــغ متوســط معــدل النمــو الســنوي للناتــج الخـام الداخلـي الإفريقـي حـوالي 7 بالمائة في السـنة، مقابـل 12 ر5 بالمائة بالنسـبة للناتـج الخـام الداخلـي العالمـي .
وفي سـياق هـذا الأداء الجيد، عرفت المؤشــرات السوســيو- اقتصادية بدورهــا تحســنا ملحوظــا: تراجــع ملمــوس لمســتوى نســبة الفقــر، تحسـن الناتـج الخـام الداخلـي الفـردي للسـكان، تقـدم ملحـوظ لمؤشـرات التنميـة البشـرية المتعلقـة بالصحـة والتربيـة … إلـخ.
وباعتبارهـا أرضـا غنيـة بالمـواد الأوليـة، قويـة بسـاكنتها الشـابة وتعـج بالديناميـة والحيويـة، تشـد إفريقيـا اليـوم أكثـر مـن أي وقـت مضـى اهتمـام العالـم : الصيـن، الولايـات المتحـدة الأمريكيـة، الاتحـاد الأوروبي .. إلـخ . ضمن هـذا السـياق، هـي مدعـوة إلى مصالحـة مسـاراتها السوسـيو -اقتصادية مـع متطلبـات التنافسـية العالميـة والمنافسـة الشرسـة وغيـر المسـبوقة التـي يفرضهـا الانفتاح المتنامـي للاقتصادات والأسـواق .
وقـد مثلت النـدوة عـن بعـد فرصـة للعـودة إلى المقومـات والمزايـا التـي تتوفـر عليهـا القـارة، ومختلـف البلـدان والجهـات التــي تكونهــا، وكذلــك آفــاق تطورهــا ونموهــا، إضافــة إلى الاسـتراتيجيات والآليات المطلــوب اعتمادهــا مــن أجــل إعطــاء إجابات ملموسـة لانتظارات السـكان الأفارقة من حيث تحسـين مسـتويات المعيشـة والاسـتقرار السياسـي والاجتماعي .
وقد مكـنت الندوة أيضا مـن التطـرق إلى تعـرض القـارة للمخاطـر الناتجـة عـن تغيـر المنـاخ وقدراتهـا البشـرية والتقنيـة والماليـة علـى مواجهتهـا .
وفي سياق متصل، مكنــت المداخلات التكميليـة للخبــراء الأربعـة الذيــن دعاهـم المعهــد مـن وضــع استشــراف لمختلــف الاحتمــالات المســتقبلية الممكنــة لإفريقيـا، ممــا أفضـى إلى تقديــم اقتراحــات ملموســة ومتفائلــة للمســتقبل.
وفي هذا السياق تم التأكيد على أن السـاكنة الشـابة وديناميكيـة إفريقيا تشـكل ثـروة حقيقيـة، ويتعلـق الأمـر هنـا بمزيـة رئيسـية ، إلا أنهـا تطـرح تحديـات رئيسـية، لاسـيما في مـا يتعلـق بالاسـتقرار الاجتماعـي.
وتحتـاج هـذه السـاكنة الشـابة إلى قيـادة سياسـية متنـورة قـادرة علـى توجيـه قواهـا الخلاقـة والاسـتجابة لتطلعاتهـا، علـى الخصـوص، مـن حيـث الولـوج إلى التعليـم والعلاجـات الطبيـة الجـيدة.
ومـن المؤكـد، حسب هؤلاء الخبراء، أن مسـتقبل إفريقيـا سـيكون مطبوعـا بالتوجهـات الثقيلـة التـي شـكلت تاريخهـا وتنميتهـا، لكنـه يرتبـط أيضـا بالتطـور الـذي سـتعرفه بـوادر التغييـر التـي تطبـع المشـهد، فليسـت هنـاك إفريقيـا واحـدة، وإنمـا إفريقيـا بصيغـة الجمـع… لذلـك فـإن مسـارات التطـور سـتكون بدورهـا متعـددة.
وبناء عليه، يفتـرض في مسـارات تنميـة وانبثـاق القـارة أن تأخـذ في الحسـبان تطـور المتغيـرات الاقتصاديـة والاجتماعيـة والسياسـية والبيئية والثقافيـة والتكنولوجيــة. والســؤال المطــروح بهــذا الصــدد هــو معرفــة إن كانــت القــارة والبلــدان ومناطــق النشـاط المكونـة لهـا قـادرة علـى اللحـاق بالركـب وتجـاوز التأخيـر المتراكـم علـى مختلـف هـذه المسـتويات .
فعلـى النمـاذج الاقتصاديـة أن تقـوم علـى أسـاس تحديـد المزايـا التنافسـية الخاصـة بـكل بلـد ( السـياحة المسـتدامة، صناعــة النســيج، الاقتصــاد الرقمــي، إلخ )، وذلك بهدف تنميــة القاطــرات الجهويــة للنمــو.
كما لا يجـب أن تغفــل هــذه النمــاذج التنمويــة الجوانــب الاجتماعية والبشــرية التــي يمكــن أن تتحــول، إذا لــم يتــم أخذهــا بالاعتبــار كمــا يجــب، إلى معيقــات للديناميكيــة الاقتصاديــة .
ولهذا السبب، فإن صعـود مناطـق اقتصاديـة إقليميـة ( مثـل المنطقـة الإفريقيـة للتجـارة الحـرة) سـيمكن مـن تعزيـز الريـادة الاقتصادية للبلــدان الإفريقيــة. كما ســيكون مــن مصلحـة القــارة إنشــاء تحالفــات إقليميــة والتكامــلات القطاعيــة مــن أجــل تحقيــق المزيد مــن التطــور علــى مســتوى المبـادلات التجاريــة البيـنية على مستوى إفريقيـا.
وفي شق له صلة بالاقتصاد ، تمت الإشارة إلى أن الإجابات التي أعطيت لأزمــة كوفيد19 ، أثقلـت كاهل الماليــة العامــة للبلـدان الإفريقيـة، حيث قــدر عجــز الميزانيات بنحـو 8 بالمائة مـن الناتـج الخـام الداخلـي خـلال سـنة 2020 .
وفي هـذا السياق، سـينطوي تمويـل فتـرة مـا بعـد الأزمة علـى إعطـاء الأولويـة لاسـتعادة أرصـدة الميزانيـة، علـى وجـه الخصـوص، مـن خـلال تحسـين قـدرة الـدول علـى تعبئـة المـوارد الجبائيــة ، ولكــن أيضــا مــن خــلال بلــورة وتنفيــذ إصلاحــات النظــم الضريبية مــن دون الإضــرار بالنمــو ، وباعتمــاد آليــات إقــلاع قطاعيــة، لفائــدة المقــاولات الصغيــرة جــدا والبحــث والتنميــة والاقتصــاد الرقمي.
وباختصار، فإن الرهان الكبيـر لتمويل الاقتصادات الإفريقيـة يتجلى حاليــا في توجيــه التمويـلات نحـو نســيج المقاولات الصغيــرة والمتوســطة والصغيــرة جدا، ولكن أيضــا صــوب النســيج الاقتصـادي غيــر المهيكل الذي يشــغل حــوالي 70 بالمائة مــن السـكان، والذي يعج بالكفاءات، غير أنه يعاني صعوبات كبرى في الوصول إلى التمويلات .
وحسب المتدخلين، فإن هنـاك وعيا واقتناعا علـى أعلى مستويات القيادة السياسية الإفريقيـة بضـرورة إدمـاج أخطـار تغيـر المنـاخ في بلـورة الاسـتراتيجيات القطاعيــة والنمــاذج التنمويـة الوطنيــة.
والهدف هــو التطـور نحــو اقتصادات مولـدة للنمــو والشــمول والاسـتدامة، غيـر أنـه رغـم إحـداث العديـد مـن الصناديـق علـى المسـتوى العالمـي مـن أجـل تمويـل الانتقـال نحـو نمـو الاقتصـادات الخضـراء، فـإن البلـدان الإفريقيـة لا تـزال تواجـه تعقـد إجـراءات الوصـول لهـذا النـوع مـن التمويـلات.
وأمـام التوتـرات الجيو-سياسـية، فـإن مصلحـة إفريقيـا تكمـن في توحيـد الجهـود والحديـث بصـوت واحـد، ولم لا التطـور نحو دولة فيدرالية، وذلك مــن أجل التمكــن مــن الاضطلاع بـدور وازن علـى السـاحة الدوليـة والدفــاع عــن مصالــح سـكانها.
وتجدر الاشارة إلى أن معهـد صندوق الإيـداع والتدبير، يصبــو إلى أن يشكل رافعــة لتحويل المعلومة إلى معرفــة جديدة مشتركة ، والتي يمكن أن تشكل إضافــة نوعية ، وإغنــاء لمجموعـة صنــدوق الإيداع والتدبيــر، ســواء مــن حيث إدراك المجموعــة لمحيطها الاجتماعي والاقتصادي، أو على مســتوى ممارسـتها وسـبل اشـتغالها .
كمـا يوفـر المعهـد فضـاء للتفكيـر مـن أجـل التشـجيع علـى انبثـاق أفـكار مبتكـرة وحلـول بنـاءة في إطـار المسـاهمة في النقاشـات الوطنيـة الكبـرى.