إصلاح أنظمة التقاعد.. ضرورة وطنية استعجالية

بينما يعود النقاش حول إصلاح منظومة التقاعد إلى الواجهة، فإن آخر المعطيات تدعوا إلى اليقظة وتحمل المسؤولية بكل جدية وبصفة جماعية. فمنظومة التقاعد في المغرب على الرغم من كونها لعبت دور درع حماية اجتماعي لمدة طويلة، فهي اليوم تواجه عدة اختلالات ديمغرافية واقتصادية واجتماعية، التي تهدد استدامتها على المدى المتوسط.
الهدف: إصلاح منظومة التقاعد في المغرب من أجل:
• توازن مالي
• إدماج جميع السكان النشيطين
• عدالة بين الجميع
• وإنصاف الأجيال القادمة
لماذا الإصلاح الآن؟
1. بداية العد العكسي: أنظمة التقاعد على شافة الخطر
نظامي التقاعد الخاصين بالموظفين (الصندوق المغربي للتقاعد والنظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد) يسجلان عجزا ماليا مزمنا، حيث أن المداخيل أصبحت لا تكفي لتغطية أداء المعاشات. فهذه الاختلالات المتزايدة، تضعف تدريجيا القاعدة المالية للمنظومة وتنبئ بصعوبات كبرى إذا لم يتم اتخاذ التدابير اللازمة.
2. نهاية الاحتياطيات: الاستنفاد يقترب
على الرغم من كون صناديق التقاعد ما زالت تتوفر حاليا على بعض الاحتياطيات المالية، إلا أن تراجعها وانهيارها مسألة حتمية. في سنة 2031، نظام المعاشات المدنية للصندوق المغربي للتقاعد، لن يتوفر على الموارد الضرورية للوفاء بأداء المعاشات، لذا فعملية الإصلاح لا غنى عنها لتفادي اي انهيار مفاجئ في التزاماته اتجاه المتقاعدين.
3. ارتفاع نسبة معدل الأعمار: بشرى سارة بثمن غالِِ
أصبح متوسط معدل الأعمار اليوم يفوق 76 سنة و النتيجة: يجب أداء المعاشات خلال أكثر من عقدين، أحيانا ما يعادل ربع عمر الفرد الواحد. هذه الشيخوخة المتسارعة تغير مقاييس المنظومة وتمارس ضغطا متزايدا على استدامتها المالية.
4. ملايين المستخدمين بدون اي تقاعد
أكثر من 60% من السكان المغاربة النشيطين، لا يتوفرون على أي نظام تقاعدي وهم المستقلون والموسميون والفلاحون وعمال القطعات الغير المهيكلة وهكذا فعند سن الشيخوخة، لن يجدوا أدنى مصدرا للعيش إذا ما بقي الحال على ما هو عليه، لهذا فعملية الإصلاح يجب بالضرورة ان تراعي توسيع الوعاء التقاعدي وتدعيم الإدماج الاجتماعي.
5. قواعد غير عادلة حسب المهنة
سواء تعلق الأمر بالقطاع العام أو القطاع الخاص او القطاع الشبه الحكومي، فإن كل نظام يطبق قواعده الخاصة التي تكون أحيانا متباعدة جدا. هذا التباين يغذي إحساسا قويا لدى المشاركين بانعدام العدل ويضر بوحدة المنظومة، لذا فالتنسيق والملائمة عملية منتظرة، لضمان المساواة في المعاملة بين المواطنين.
6. حيرة و ارتباك لا يجد لهما المؤَمًَنون تفسيرا
مع تواجد تسعة أنظمة متنوعة و بقواعد مختلفة، اصبحت المنظومة كابوسا يؤرق الطبقة العاملة، بحيث أنه من الصعوبة التعمق فيها و استيعابها وإدراك الحقوق او تغيير نظام بآخر دون الضياع وسط المتاهة. إن هذه التعقيدات تؤثر سلبا على الشفافية وعلى ثقة المؤمَّنين.
7. ازدياد دائم في نسبة المتقاعدين و نقص مستمر في نسبة المشاركين
ترتكز القاعدة المالية للمنظومة على التضامن بين الأجيال، غير أن هذا النموذج أصبح يتهاوى: في سنة 2000، كان هناك سبعة مشاركين مقابل متقاعد واحد، بينما اليوم لا يتعدى عددهم اثنين فقط وغدا؟ يجب أن تكون النسبة هي نشيط واحد مقابل متقاعدين اثنين. أمام هذا الاختلال الديمغرافي، يصبح أي تقاعس أو تقصير أمرا مستحيلا.
المربع التضامني: أربع ركائز لإصلاح عادل ومستدام
1. مجانسة الأنظمة
توحيد قواعد الحساب (السن – مدة المشاركة – نسبة التعويض)، ثم الزيادة في الوضوح وكذا تمكين نقل الحقوق لجميع الشرائح العمالية.
2. الارتقاء بالقطاع الخاص
تقليص الفارق الموجود بين معاشات القطاع العام والقطاع الخاص (من 8394 درهم إلى 2163 درهم حسب المعدل الشهري)، بالإضافة إلى ضمان عدالة المعاملة بين القطاعين وتدعيم الثقة لدى المشاركين.
3. ضمان الاستدامة المالية
المحافظة على التوازنات المالية على المدى البعيد: تحسين توزيع المجهودات المبذولة وضبط العجز المالي والتخطيط المستقبلي لمواجهة الشيخوخة الديمغرافية.
4. دعم التضامن بين الأجيال
ضمان الحق في التقاعد مستقبلا لفئة الشباب النشيط حاليا، مع المحافظة على الميثاق الاجتماعي بين الأجيال وتوسيع وعاء التغطية لغير المؤمَّنين حاليا (العاملون في القطاعات الغير المهيكلة والمستقلون وغيرهم).
ما يجب تفاديه قطعا: التقصير
مع كل سنة من التأخير تصبح عملية الإصلاح أكثر تكلفة وأكثر إيلاما، لهذا فالأفضل هو إصلاح تدريجي مترابط ومتناسق اليوم، على وقوع أزمة حادة وغير قابلة للإصلاح غدا.
خلاصة القول
إن عملية إصلاح أنظمة التقاعد، ليست اختيارا إيديولوجيا ولا اختيارا حزبيا، بل هي ضرورة وطنية وأخلاقية واجتماعية، تهدف إلى بناء منظومة أكثر عدالة وأكثر استدامة وأكثر تضامن.
تابعوا آخر الأخبار عبر واتساب


انضم إلينا واحصل على نشراتنا الإخبارية