طبيب أسنان يعيشُ مع بطولات الجنود المغاربة عبر الرواية
نزار كربوط، من عيادة الأسنان لتقويم ابتسامة الإنسان وإزالة الألم إلى معترك السرد ورص الكلمات بعضها مع بعض، فبعد تجربة شعرية انطلقت بـ”رماد عاشق” ولم تنته بـ”أهب وجهي للفوضى”، شارك في حفل توقيع أول رواية له بعنوان “العرض ما قبل الأول” صادرة عن المركز الثقافي العربي، عشية اليوم، في المعرض الدولي للكتاب بالدار البيضاء.
وقال كربوط في تصريح لـ”سيت أنفو” أن “الكل يعلم أني شاعر وطبيب أسنان، وأنشر في مجموعة من المجلات العربية والوطنية، وتُرجم لي ديوان كاملا في باريس، لكن الذي لا يعرفه الجميع، بإختصار وبساطة، أنني كائن يعيش على حجر يسبح في هامش الكون، لا أقل ولا أكثر، وأنا إنسان مقاوم، لأننا أصبحنا نعيش في زمان تغلب عليه الصورة أكثر من الباطن والجوهر”.
وأضاف أن “كل مبدع عليه أن يلبس لباس المقاوم، ويتخذها شعار له، ولما مذهب في الحياة، لأنه إن لم نقاوم الرداءة فمن يقومها، بطبيعة الحال، إني شاعر أصدرت أربع مجموعات شعرية من 2007 إلى 2017، والتجربة السردية الاخيرة بعنوان “العرض ما قبل الأول”، ليس انتقال إنما جزء من مشروعي الذي طالما حاولت أن أشكل ملامحه الخاصة”.
وشدد بأنه “من الطبيعي أن لا أكشف أسرار الرواية، وعلي ترك القارئ فرصة اكتشافها وما بين السطور، هي رواية تتطرق إلى موضوع الجنود المغاربة الذين اقحموا وزج بهم إلى المشاركة في الحرب العالمية الثانية للدفاع عن فرنسا، خصوصا لمن سقطوا في المعتقلات النازية، هذا النص الروائي يشير إلى جانب من تاريخنا الذي ربما ينتقل إلينا عبر ما هو شفهي عبر قصص العائلات والأجداد التي عاش أحد أفرادها الحرب العالمية الثانية”.
وأوضح الحاصل على دكتوراه الدولة في طب وجراحة الأسنان بجامعة محمد الخامس سنة 2006، بأنه “لا يمكن الإفصاح عن سبب اختياري للعنوان العرض ما قبل الأول الآن، وأنتظر من القارئ أن يفهمه، ويفك بعض الرموز التي ستجعله في النهاية يطرح الأسئلة، هذه الرواية ليست تاريخية رغم أنها تتطرق لموضوع الجنود المغاربة ما بين 1939 و1942 من القرن الماضي، طبعا لها خلفية تاريخية لكن أحداثها تدور في عصرنا الحالي”.
وأبرز الحائز على الجائزة الثالثة للشعر بجامعة محمد الخامس السويسي سنة 2003، أن “النص الروائي ابتلع مني أكثر من ثلاث سنوات من العمل والبحث المرهقين، سافرت هنا وهناك قصد جمع المادة والوثائق الضرورية لبناء الأفكار الأساسية والقوائم الرئيسية التي يرتكز عليها نص الحكاية، بين أرشيف وزارة الدفاع الفرنسية وشهادة الرجل البطل (والمسجلة بصوته قبل أن يختطفه الموت) قضيت ليال أخيط وأحيك معطف النص وخبايا التاريخ”.
وأكد مؤسس نادي الكتابة الأدبية بالرباط سنة 2003، بأنه “ليس ذلك التاريخ الذي عهدناه في المقررات الدراسية الملغومة لكنه تاريخ من نوع آخر تاريخ الذاكرة الحية فينا جميعا ذاكرة البسطاء والضعفاء الذين يتحدثون إلى الريح العابرة دون خوف أو ضجر، تاريخ الأبطال المغاربة الذين شاركوا في الحرب العالمية الثانية مكرهين ومرغمين لغرض الدفاع عن فرنسا البلد الذي استعمر أرضهم وتحكم في مصيرهم المجهول”.
واعترف أن “العمل أخذ من جسدي قطعة ومن روحي قطعتين ضاعتا في فلك الأرواح الغابرة، بلغت حد العصاب والأرق الشديدين كنت أفكر في أحداث عاشتها شخوص هذا النص حتى ابتلعتني وسيطرت على فكري لشهور طويلة، مرة كنت أكلم نفسي كالمجنون ومرة كنت أبكي تحت الغطاء كالمريض الذي نسي تناول مهدئات الأعصاب ومرة كنت أصرخ بأعلى صوتي حتى تمكنت من رسم أجنحة على ظهورها لتحط الآن بين أيديكم، افعلوا بها ما تشاؤون، بعد هذا النص أدركت عميقا أن الكتابة خلق وموت في الوقت ذاته”.