بكار السباعي يكتب: الإعلام والأمن الإعلامي
![](https://ar.lesiteinfo.com/wp-content/uploads/2025/02/bekkar-sbai.jpg)
الحسين بكار السباعي
لا يجاحد باحث في حقل الاعلام ، كون مقولة “الإعلام المحايد”، لا تختصر فلسفة الإعلام ، فلا يوجد في عالم تديره المصالح والاستراتيجيات إعلام محايد. كما أن الإعلام لم يكن يوما مجرد أداة لنقل الأخبار، بل كان ولا يزال قوة خفية للتاثير و صناعة الأحداث ، وتوجيه العقول لتشكيل الوعي الجمعي للشعوب. إنه السلاح الذي تتكئ عليه الدول، سواء كانت متقدمة أو نامية، ديمقراطية أو دكتاتورية، لتثبيت أركان أنظمتها وحماية مصالحها.
لقد تعاملت مختلف الأنظمة السياسية، مع الإعلام كجزء لا يتجزأ من أدوات الحكم والتحكم ، فهو الذراع الناعمة التي تصقل بها العقول، وتشكل بها حدود ومعالم الهوية الوطنية، وتوجه بها المجتمعات نحو أولويات محددة ومشتركة.
الإعلام في جوهره ليس ناقلا للحدث، بل صانعا له، منظما للأفكار، وموحدا للرؤى، بما يخلق حالة من الإجماع حول قضايا بعينها و تغييب اخرى ، وتهيئه للحكومات بيئة عمل تضمن لها التقدم على المستويات الداخلية والخارجية. غير أنه وفي بعض البلدان ، لازال الإعلام تسود عمله نوع من الفوضى ، ويعاني من غياب سياسات إعلامية مؤطرة تنظم خطابه وتوجه رسائله ، في مثل بلدان قدمت فيها شعوبها تضحيات جسام على مدى عقود من الزمن ، وارتوت أراضها بدماء الشهداء ،حيث باتت وسائل الإعلام في كثير من الأحيان مساحة للتشكيك والانتقاص من قيم الدولة وإنجازاتها.
هذا الانفلات الإعلامي لا يخدم سوى أعداء الوطن ، ويهدد وحدة القضية، ويزرع الشكوك في نفوس الأجيال الشابة، تلك الأجيال التي لم تشهد قساوة المعارك ولم تدرك حجم التضحيات التي بذلت لبناء الوطن. غير أن الإعلام الأمني يمثل الحصن الفكري الذي يواجه اختراق العقول ويحمي المجتمع من حملات التضليل والتشويه . فكما تحمي الدولة حدودها بالسلاح و تقاتل على الجبهات العسكرية ، فإن عليها أيضا أن تحمي حدودها الفكرية ، وأن تواجه حروب الإشاعة التي تهدف إلى زعزعة الثقة بالنظام وإضعاف الروح الوطنية . هذا الدور الحاسم لا يقل أهمية عن الدفاع العسكري ، بل يتجاوزه أحيانا ، فحروب اليوم أصبحت تكسب في ساحات الفكر والإعلام قبل ميادين القتال.
كما أن الأمن الإعلامي، يضمن توازنا دقيقا بين حق المجتمع في الحصول على المعلومة ، وبين حماية الأمن القومي من مخاطر تسريب المعلومات الحساسة أو استخدامها ضد الدولة . فالإعلام الحر المسؤول هو ذلك الذي يحقق التوازن بين الشفافية وحماية المصالح الوطنية، ويعمل على نشر الحقائق دون تهويل أو تضليل، بما يعزز وعي المواطن ويقوي ارتباطه بوطنه.
فالعلاقة بين الإعلام والأمن علاقة عضوية لا تنفصم . والإعلام يشكل الوعي العام ويوجه الرأي ، بينما يعمل الأمن على توفير بيئة مستقرة تتيح للإعلام أداء دوره دون تهديد أو اختراق . كلاهما مسؤولية الدولة، وكلاهما ضرورة لبناء مجتمع متماسك يحمي ذاته من أعدائه الداخليين والخارجيين.
فالدول التي تفشل في بناء خطاب إعلامي موحد وفعال تفقد السيطرة على عقول شعوبها، مما يتيح للأعداء اختراقها بسهولة عبر بث الشائعات وتشويه الحقائق . هذه الحقيقة تفرض علينا جميعا اليوم ، وسط ما يواجهنا من تحديات ، أن نعيد النظر في منظومتنا الإعلامية ، وأن نعمل على وضع سياسة إعلامية واضحة وفعالة تعكس قيم المجتمع وتضحياته وإنجازاته ، سيلسة تمكنتا من مواجهه التضليل بمهنية ووعي أمام زخم انتقال الملايين من المعلومات في ثانية واحدة.
ختاما ، الإعلام والأمن وجهان لعملة واحدة ، وأي تفريط بأحدهما يعني خسارة الآخر . فحماية الأوطان لا تبدأ من الجبهات العسكرية فحسب، بل من العقول والقلوب التي تؤمن بالوطن وتذود عنه، ليبقى الإعلام الموجه والمدروس ، ضرورة لحفظ الهوية الوطنية وضمان إستقرار الدولة في مواجهة كل التحديات والأزمات.
تابعوا آخر الأخبار عبر واتساب
![](https://www.lesiteinfo.com/img/Google-News-Follow-ar.png)
![](https://ar.lesiteinfo.com/wp-content/uploads/2024/02/arabe.png)
انضم إلينا واحصل على نشراتنا الإخبارية