انتقال “المؤثرين” من شبكات التواصل الاجتماعي إلى التلفزيون.. قصة “هجرة” مثيرة للجدل
شهدت الأعمال الدرامية والهزلية التلفزيونية بالمغرب خلال السنوات الأخيرة ظاهرة جديدة تتمثل في استقطابها ل”نجوم” شبكات التواصل الاجتماعي الذين باتوا يطلون على الجمهور من الشاشة الصغيرة بمباركة ومبادرة من شركات الإنتاج. هذا التوجه بات يتكرس عاما بعد آخر، خاصة خلال شهر رمضان المبارك الذي يشهد ذروة الإنتاج التلفزيوني، وأصبح المغاربة يكتشفون خلاله هذه الوجوه الجديدة التي تسند لها في بعض الأحيان أدوار البطولة.
وإذا كان هؤلاء “المؤثرون” غير معروفين لدى شريحة عمرية معينة من المشاهدين الذين اعتادوا على الجيل السابق والمخضرم من الممثلين، فإنهم يتمتعون في المقابل بشهرة واسعة على منصات اليوتيوب وانستغرام وفيسبوك حيث يفوق مجموع متابعي حساباتهم عشرات بل مئات الآلاف من المستخدمين معظمهم من الجيل الجديد.
فبدءا من مسلسل “سلمات أبو البنات” ذي الخمسة مواسم الذي تم عرضه منذ سنة 2020 على قناة MBC5، مرورا ب”ياقوت وعنبر” (القناة الأولى، رمضان 2020)، و”بنات العساس” (القناة الأولى، رمضان 2022)، وليس انتهاء ب “طريق الورد” (دوزيم، رمضان 2023)، بصم “المؤثرون” على دخول بارز إلى الشاشة الصغيرة.
وتتعارض الآراء حول ما إذا كان الأمر يتعلق بدخول مشروع أو اقتحام بالقوة، حيث تتوزع بين من يثمنون توظيف المخرجين والمنتجين لمشاهير الويب ويرون في ذلك علامة انفتاح وتحديث، ومن يغيظهم الأمر ممن يعتبرون أن الأمر ليس أكثر من رغبة في استقطاب عدد أكبر من المشاهدات على حساب الممثلين المحترفين الذين وجدوا أنفسهم فجأة في الجزء الخلفي من الرقعة.
وفي الواقع، فقد لجأ العديد من الفنانين، عبر منشورات على حساباتهم على فيسبوك وانستغرام، للتنديد بـ “ظاهرة” هؤلاء المؤثرين الذين نزلوا على ميدان التمثيل دون أن تكون لهم أدنى دراية بأساسيات المهنة، ليدخلوا بذلك، حسب رأيهم، في “منافسة غير شريفة” مع الممثلين المحترفين الذين درسوا لعدة سنوات ليجدوا أنفسهم في النهاية رهن عطالة تقنية.
– بين الإنترنت والتلفزيون، هجرة في الاتجاهين
برأي خالد النقري، المدير العام لشركة الإنتاج “ديسكونيكت”، فإن الأمر يتعلق ب”نقاش مغلوط”. فالأمر لا يهم أكثر من أشخاص معدودين على رؤوس الأصابع هاجروا من شبكات التواصل الاجتماعي إلى التلفزيون في السنوات الأخيرة. لذلك فهي ليست “ظاهرة” كما يستشف من خطابات معينة تنحو نحو المزايدة. ويتساءل النقري في حديث لوكالة المغرب العربي للأنباء: “هل هذا ما سيحدث اضطرابا في المشهد التلفزيوني المغربي ويدفع الفنانين المحترفين إلى التقاعد؟ لا أعتقد ذلك”.
وبالنسبة له، فإن المخرج أو المنتج “له كامل الحرية للبحث في صفوف المؤثرين ومن ينشطون ويتألقون على يوتيوب وانستغرام، عن بروفايل معين لا يمكنه العثور عليه بتوظيف القنوات التقليدية”.
ويضيف “إنه جوهر مهنتهم. لا ينبغي أن نكون مستائين حيال ذلك، تماما مثلما لا يجب أن نستاء لهجرة ممثلين إلى مواقع التواصل الاجتماعي وتحولهم إلى مؤثرين يقدمون إشهارات للعلامات التجارية. هم أكثر عددا بكثير ومع ذلك لا يثيرون الكثير من الجدل”.
من جهته، يرى المخرج وكاتب السيناريو، سعد الشرايبي، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، المسألة من زاوية مختلفة تماما. فبالنسبة له، وبصرف النظر عن عدد مشاهير الإنترنت الذين يهاجرون إلى الشاشة الصغيرة، فإن المبدأ في حد ذاته يشكل موضع تساؤل.
يقول الشرايبي إن “على الممثل أن يظل ممثلا، وعلى المؤثر أن يظل مؤثرا. لكل وظيفته ومجال اشتغاله. فصانع المحتوى على الإنترنت الذي ليس لديه معرفة بالمجال ليس لا يمكنه أن يؤدي دورا في فيلم أو مسلسل تلفزيوني بالطريقة نفسها التي يؤديه بها أي شخص تلقى تكوينا أكاديميا. ووفقا للقواعد، هذا الخلط غير مقبول”.
– الموهبة أم التكوين: الفن بين الفطري والمكتسب
هل التكوين شرط لا غنى عنه ليصبح المرء ممثلا بارعا؟ ماذا يمكن أن نقول إذن عن جيل الرواد من الممثلين الذين يعشقهم المغاربة والذين لم يسبق لهم أن التحقوا بمعهد للسينما؟ هذا المبرر الذي طالما يسوقه المدافعون عن فتح التليفزيون في وجه صناع المحتوى ينطوي على مغالطة بحسب الشرايبي.
ويقول في هذا الصدد “أنا لا أزعم أن جميع الممثلين الموجودين على المشهد اليوم هم من خريجي المعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي، أو خضعوا لتكوين ليصبحوا ممثلين. في المقابل، كثير منهم راكم 10 أو 15 سنة من الممارسة، والبعض مر عبر المسرح، والبعض الآخر أدى أموالا مقابل التكوين. الشيء الرئيسي هو أن هناك اشتغالا على الذات وشغفا بذلك. وهذا ليس هو الحال بالنسبة لهؤلاء المؤثرين الذين يقتحمون مجالا ليس من اختصاصهم لمجرد أنهم أصبحوا مشهورين ويجمعون الأموال.
بدوره، يرى الكاتب والناقد السينمائي، خليل الدامون، في تصريح للوكالة، أنه في مهنة التمثيل كما في العديد من المهن الأخرى، “يعتبر التكوين ضروريا ولا مجال للارتجال”. ويضيف أن “تقمص شخصية للتعبير بأقصى قدر ممكن من الأمانة عن مزاجها ومشاكلها وتناقضاتها ليس بالأمر السهل. ولإتقان هذا الفن، يتطلب الأمر الكثير من الوقت والتكوين”.
وحسب المتحدث، فإن “الأمر لا يتعلق فقط باتباع تكوين أولي أكاديمي بحت، ولكن أيضا بالخضوع لتكوين مستمر للبقاء على اطلاع دائم، وتم لك القدرة على التكيف مع التطورات التي يشهدها هذا المجال”.
أما بالنسبة لجيل الرواد من الممثلين العصاميين، يقول الناقد السينمائي، فإنه لم تكن في زمنهم مدارس للسينما والتمثيل كما هو الحال اليوم. “وتبعا لذلك، فقد كان لدى الممثلين في ذلك الوقت مسرح الهواة باعتباره المدرسة الوحيدة التي كانت متوفرة، والذي شكل مشتلا خصبا حقيقيا للمواهب أنجب ممثلين كبارا بصموا المشهد السينمائي والتلفزيوني المغربي.
فمن خشبات المسرح، إلى أمواج الإذاعة الوطنية، راكم هذا الرعيل الأول من الممثلين الخبرات والتجارب قبل أن يتحول إلى التلفزيون والسينما. فهذه الخبرة الميدانية بالتحديد هي بالضبط ما يفتقر إليه هذا الجيل الجديد من ممثلي العالم الافتراضي”.
– “نحن لا نولد فنانين وإنما نصبح كذلك”
وإذا كان صحيحا أن بعض نجوم ونجمات الانترنيت لا يأخذون الأمر على محمل الجد، ويخلطون بين الغرف التي يصورون فيها مقاطع الفيديو وبلاتوهات تصوير الأفلام، كما يخلطون بين معجبيهم وجمهور التلفزيون الأوسع عددا والأكثر تطلبا، فإن الواقع يحكي عن آخرين أظهروا موهبة ومثابرة وتمكنوا من نيل إعجاب المشاهدين المغاربة المعروفين بأنهم متطلبون للغاية.
وفي هذا الصدد، يقول صانع المحتوى، ربيع الصقلي، الذي اشتهر بمقاطع الفيديو على يوتيوب وانستغرام فبل أن ينتقل إلى التمثيل “نحن لا نولد فنانين وإنما نصبح كذلك. وبالممارسة يصبح المرء متقنا لمهنته”،
يقول الممثل الشاب الذي أدى أدوارا في سلاسل مختلفة من قبيل “دموع وردة” و”ياقوت وعنبر” و”عايشة” إنه “ليس لي اعتراض على خريجي المعاهد والمدارس المتخصصة، يجب إعطاؤهم الأولوية خلال مرحلة الكاستينغ لأنهم أمضوا سنوات من حياتهم في دراسة وتعلم المهنة. وفي الوقت نفسه، سيكون من اللاعدل إغلاق الباب أمام الشباب الموهوبين والمتحمسين الذين لم تتح لهم الفرصة لأسباب مالية أو جغرافية أو غيرها، للالتحاق بالمعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي على سبيل المثال”.
ويضيف “إذا كانت لديك موهبة تسعى إلى تطويرها من خلال الالتحاق بورشات للمسرح على سبيل المثال، وإذا كان يحدوك شغف حقيقي، أكثر من الرغبة في أن تصبح غينا أو مشهورا، فإننا نملك بالتالي المؤهلات لاقتحام الميدان. وعلاوة على ذلك، فإن العديد من عمالقة السينما العالمية بدؤوا مسارهم كهواة وثابروا واشتغلوا على أنفسهم ليصبحوا ما هم عليه اليوم”.
وفي غمرة هذا الجدل حول مشروعية “هجرة” صناع المحتوى من الإنترنت إلى التلفزيون من عدمها، يبقى لكل فرد مبرراته الخاصة. غير أن المواقف من هذا الأمر، والتي تكون جذرية في غالب الأحيان، تنصب على المبدإ في حد ذاته دون أن تركز على مآل الأمور، أي إلى أي حد تمكن القادمون الجدد من تقديم قيمة مضافة إلى المجال والإقناع بجودة تمثيلهم. وفي هذا يبدو أن للجمهور وحده الكلمة الأخيرة.