الحسني: “وعد الآخرة” تجربة تكشفُ استغلال الفرد المتدين في الصراع السياسي – حوار
“يعرضُ الكتاب مسار تفكير بُني على وعد قدمته تيارات التسلط بالدين من أجل السيطرة على ضمائر الأفراد في المجتمعات المسلمة، هي قصة عن جهادي سابق يتحدث بذهن اليوم عن تجربته مع التيار الجهادي كآخر حلقة في الانتساب لجماعات الإسلام السياسي وأكثرها صراحة”، بهذه الكلمات اختار ضيف “سيت أنفو” عادل الحسني وضع تعاقد مع القارئ في كتابه “وعد الآخرة” ذو 179 صفحة في طبعته الثانية.
الحسني الباحث في علم النفس والتحليل النفسي، والكاتب في مجال الإصلاح الديني وصف مؤلفه “العودة من التطرف الجهادي، وكيف استغل وعد لإحراق أجيال من الشباب لصالح قادة التيارات الدينية؟”، بـ”سيرة ذهنية يحكي تفكيرا احتل عقدين من حياتي، حكاية عن الماضي تعطي صورا وتعابير عما أصبح عليه اليوم تفكير جهادي سابق، أيضا هناك مفارقة وجدانية مؤلمة يسجلها هذا العمل، أكتب بحسرة عن أفكار كنت أتبناها، وما كنت أحسب أني سأتحسر على تبنيها يوما، أتأمل هذا التقلب وأحذر من السقوط في وثوقية أخرى، إلا أن هذا الحذر لا يمنعني من تسجيل خلاصات وعبر عن سنوات مضت بين الجهاديين”.
بعد عامين من إصدارك كتاب “وعد الآخرة”، ما الجديد في إصدار نسخة أخرى هذه السنة؟
جديد هذا الاصدار هو إضافتي فصل كامل أصف فيها تجربة دخول التفكير الحداثي، وكيف تدرجت في القراءات والنقاشات حتى وصلت مستوى أعتقد أنه يستحق أن يوضع رهن نظر القارئ ليتابع تجربة ذهنية مر بها الكثير من أبناء جيلي.
من جانب آخر فقد عمقت كل فصل بعدد من التفاصيل التي كانت موجزة أو غامضة من شدة إيراد الإشارات التي تعتمد على عمق ثقافة القارئ، فحاولت تبسيط الكثير من الأفكار وإيراد عدد من مصادر الأفكار، لأن الغاية من الكتاب وضع تجربة لتحليل القارئ للتاريخ كي لا يتكرر استغلال ساهمت فيه عدة أطراف، أولها هم ضحايا الاستقطاب المتطرف أنفسهم بسبب جهلهم.
ما الجديد التي يتضمنه هذا الإصدار في موضوع محاربة التطرف، بالمقارنة مع مؤلفات من نفس النوع؟
من ناحية الموضوع، حاولت تجاوز ثنائية حق/ باطل، وعدم الاهتمام بمعركة الصراع التهكمي والوثوقي تجاه التطرف والمتطرفين، والتركيز بدلا عن ذلك على كشف مكامن الخطر في التطرف الذي يستقطب الشباب من التدين الإنساني المريح نفسيا، إلي التدين المتسلط المضيق على الذات والمحيط، وكشف المسار الذي ينتقل بالفرد من التدين الفردي إلى استغلال هذا الفرد المتدين في الصراع السياسي.
ثم ركزت على إضافة أفكار عن المسار الفكري المخالف للتطرف، كون البدائل الفكرية لم تشغل النقاش العمومي بقدر ما يشغله ضرورة الخروج من التطرف، فحاولت تقديم مسار ومواضيع تفكير أشبع به شاب بعد خروجه من التشبع بالفكر المتطرف.
هل تعتبر أن العودة من التطرف مقترنة فقط بتغيير نوعية التفكير المتطرف، ألا ترى أن تحسين جودة للديمقراطية وتقليل نسب الفقر يساهمان بشكل أفضل من الكتب في محاربة التطرف؟
المغرب في الفترة الممتدة بين الاستقلال والثمانينيات من القرن الماضي كان في وضع أكثر سوءا من الناحية المادية والاجتماعية، إلا أن المجتمع المغربي كان ممانعا وبعيدا عن استغلال شبابه ايديولوجيا من خارج حدوده، ولم يحدث في تلك الحقبة الشديدة القساوة ماديا واجتماعيا، أن جند الشباب بالمئات في حروب خارج مصالح المغرب الحضارية، بل أن الأيديولوجيات اليسارية والقومية، ورغم تأثرها بتيارات خارجية، كانت توجه قوتها من كتابات وقيادات مغربية لصالح المغرب رغم حدة الصراع الداخلي الذي كان قائما بين السلطة والمعارضة.
الذي يؤثر في قوة انتشار التطرف هو التمكين للفكر المتطرف والاستلاب الهوياتي الذي يهدد أمن مجتمعنا، الكل يتابع كيف تستغل الاستلاب الهوياتي للكثير من الشباب من المجتمعات المسلمة لاستغلالهم في حروبها بليبيا وحاليا في شرق أوروبا.
ما الجهات المعنية من رسائل الاصدار الجديد لكتابك؟
نبهت الدولة إلى دورها في المشكلة والحل، ونبهت الأسرة ومنظمات المجتمع المدني ضمنيا في هذا الاتجاه، لكن الرسالة بالأساس موجهة للإرادة الحرة للشاب والشابة، حاول الكتاب أن يكون رسالة لتحريك التفكير، لأني أومن بقوة أن مجرد تحريك التفكير النقدي في ذهن الشباب هو كفيل بحمايته من التطرف أكثر من تقديم أفكار جاهزة.
هل كتابك يأتي في سياق دعوات لإعادة إنتاج تدين إسلامي جديد على غرار ما صرح به الرئيس الفرنسي ماكرون؟
هذا السياق لم تخلقه السلطة في فرنسا ولا في أي بلد، السياق قوي وخطير وموجود يهدد استقرار الأسرة المغربية، الأمر ليس مجرد ظهور جهاديين يريدون قتل أنفسهم وقتل الآخرين، هذا ماهو إلا مستوى أقصى للتطرف، أما المستوى الاكثر انتشارا منه هو الانفصال عن الواقع.
التطرف المفضي إلى الانفصال عن الواقع هو الأكثر انتشارا، وهو يعني بالضبط أن تنتشر الأفكار التي تبدو “مثالية” بالدين أو غيره وتوحه الشباب دراسيا واجتماعيا وثقافيا إلى مناحي غير نافعة له ولا لوطنه، على سبيل المثال؛ تحول الزواج من حالة طبيعية للتطور عيش أي إنسان إلى مشروع “خلاص” للشابات يجهز على التفكير المستقل وبناء مسار حياة مستقل للمرأة، هذا الواقع خلقته دعوات عقود من الزمن لتقديس فعل الزواج لا تقديس جودة العلاقة الزوجية.
في المجال العلمي عشرات الآلاف من الطلبة والطالبات يتوجهن لشعب دينية غير منتجة، والتحول الدين من محال شخصي روحي راقي، إلى محال ارتزاق أعداد هائلة أصبحت ترفع نسب البطالة، ما سبب ذلك، انتشار فكرة تفصل هؤلاء الشباب عن الواقع تقول : التعليم الدين أرقي من باقي التخصصات الأخرى!.