الجميع يستحق إجراء الفحص.. دعوة المغرب للتحرك ضد التهاب الكبد

بقلم: كارلوس خوستينياني أوغارتي، المدير العام لشركة روش للتشخيص في المغرب وقائد شبكة شمال غرب إفريقيا لشركة روش للتشخيص
في الثامن والعشرين من يوليوز، يحيي المغرب، إلى جانب العديد من دول العالم، اليوم العالمي لالتهاب الكبد. قد يتساءل كثيرون عن سبب أهمية هذه المناسبة. في الحقيقة، هذا اليوم يذكّرنا بأن للجميع الحق في معرفة حالتهم الصحية في ما يخص التهاب الكبد أو إجراء الفحص اللازم للكشف عنه. السبب واضح: التهاب الكبد يُعد ثاني أكثر الأمراض المعدية تسببًا في الوفيات عالميًا، بعد مرض السل مباشرة.¹ وقبل سبع سنوات فقط، شهد المغرب تفشيًا مزدوجًا لالتهاب الكبد.² ومع ذلك، إذا تم الكشف عن التهاب الكبد في الوقت المناسب، يمكن علاجه، كما أن اللقاحات تتيح الوقاية من بعض السلالات الخطيرة تمامًا.³ لهذا، يجب أن نتحدث عنه بجدية.
ما الذي يجب أن تعرفه؟
التهاب الكبد هو حالة تتسبب في التهاب الكبد نتيجة الإصابة بأنواع مختلفة من الفيروسات المعدية أو لعوامل غير معدية. يمكن أن يؤدي هذا المرض إلى مجموعة واسعة من المضاعفات الصحية، بعضها يهدد الحياة. هناك خمسة فيروسات رئيسية لالتهاب الكبد، تُصنف ضمن الأنواع: A وB وC وD وE.³
ورغم أن جميع هذه الأنواع تصيب الكبد، إلا أنها تختلف فيما بينها من حيث طرق الانتقال، وشدة المرض، والمناطق الأكثر انتشارًا فيها، وسبل الوقاية منها. وتشكل الأنواع B وC مصدر القلق الأكبر لأنها تسبب أمراضًا مزمنة طويلة الأمد تصيب مئات الملايين من الأشخاص حول العالم.³
هذان النوعان مسؤولان عن معظم حالات تليف الكبد وسرطان الكبد والوفيات الناتجة عن التهاب الكبد الفيروسي. تشير التقديرات حاليًا إلى أن 354 مليون شخص في جميع أنحاء العالم يعيشون مع التهاب الكبد B أو C، ومعظمهم لا يستطيعون الوصول إلى خدمات الفحص والعلاج.³
التهاب الكبد في المغرب
وُصف التهاب الكبد B وC بـ”القاتلين الصامتين”،⁴ ولسبب وجيه: إذ يمكن أن يصيب الجسم لسنوات، وأحيانًا لعقود، دون ظهور أعراض واضحة.⁵ ويظل من الأسباب الرئيسية لتليف الكبد وسرطان الكبد والوفاة المبكرة. ورغم أن مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها (CDC) توصي بإجراء فحص لمرة واحدة على الأقل لجميع البالغين للكشف عن التهاب الكبد B وC، إلا أن إجراء الفحص يظل طوعيًا وغالبًا ما يتم تجاهله.⁶
في المغرب على وجه التحديد، أظهرت دراسة حديثة أعدتها شركة روش أن ما يصل إلى 60% من المشاركين في الاستطلاع “من غير المرجح أن يلجؤوا إلى الفحص”.⁷ وبدون الكشف المبكر والعلاج، يمكن لهذه الفيروسات أن تفتك بالأرواح وسبل العيش. فالأمراض الكبدية في مراحلها المتقدمة تتطلب رعاية طويلة الأمد، وحالات استشفاء متكررة، وفي بعض الحالات عمليات زرع كبد، وهي خيار بعيد المنال عن معظم الأسر المغربية نظرًا لتكلفته وندرته.⁸
إن علاج التهاب الكبد في مراحله المتقدمة ليس مدمرًا عاطفيًا فحسب، بل يمثل أيضًا عبئًا اقتصاديًا لا يمكن تحمله بالنسبة للأسر والنظام الصحي.⁸ فقد تصل تكلفة علاج المريض الواحد للنظام الصحي المغربي إلى عشرات الآلاف من الدراهم سنويًا، في حين أن تكلفة الفحص لا تتجاوز 100–150 درهمًا.⁹
تخيلوا هذا السيناريو: إذا بقي 30% فقط من حالات التهاب الكبد في المغرب غير مشخصة، و10% فقط من هؤلاء أصيبوا بمضاعفات خطيرة، فإن العبء العلاجي طويل الأمد يمكن أن يستنزف الميزانية الصحية إلى حد كبير.
ورغم الفوائد الواضحة للكشف المبكر، لا يزال المغرب يواجه تحديات كبيرة فيما يتعلق بفحوصات التهاب الكبد وعلاجه. من أبرز هذه التحديات ضعف الوعي العام. فما زال كثير من المغاربة يفتقرون إلى المعلومات الأساسية حول التهاب الكبد B وC، وطرق انتقالهما، والمخاطر التي يمثلانها، وأهمية الفحص المبكر.¹⁰
أحد المفاهيم الخاطئة الشائعة هو أن التهاب الكبد يصيب فقط الفئات “الأكثر عرضة للخطر”، ما يخلق إحساسًا زائفًا بالأمان ويثني الأفراد العاديين عن طلب الفحص. على سبيل المثال، قد يعتقد شخص لا يتعاطى المخدرات أو لا يتلقى حقنًا طبية متكررة أنه غير معرض للخطر، في حين أن انتقال الفيروس يمكن أن يحدث أيضًا عبر أدوات طبية غير معقمة أو شفرات حلاقة مشتركة أو حتى أثناء الولادة.¹¹
ويزيد من تعقيد الوضع الوصمة الاجتماعية والصمت المحيطان بالتهاب الكبد، لا سيما التهاب الكبد C. ففي كثير من المجتمعات، يُربط تشخيص التهاب الكبد خطأً بسلوكيات غير أخلاقية أو “محظورة اجتماعيًا”. تؤدي هذه الوصمة إلى الصمت، إذ يتجنب الأفراد الفحص خوفًا من الحكم عليهم أو نبذهم أو إساءة فهمهم. على سبيل المثال، قد تتجاهل شابة تشك بأنها أصيبت بالتهاب الكبد خلال عملية جراحية بسيطة قبل سنوات الفحص الطبي لتجنب الشكوك أو التمييز داخل أسرتها أو مجتمعها.¹¹
ورغم أن المغرب حقق تقدمًا ملحوظًا في مواجهة التحديات الصحية العامة، بما في ذلك مكافحة التهاب الكبد الفيروسي، فقد شكل إدخال الأدوية المضادة للفيروسات المباشرة نقلة نوعية، حيث مكّن من القضاء على الفيروس بشكل منهجي وتقليل المضاعفات الكبدية في فترة علاج قصيرة. لكن تحقيق هدف منظمة الصحة العالمية المتمثل في القضاء على المرض بحلول عام 2030 يتطلب أكثر من مجرد العلاج – بل يستلزم تكثيف جهود الفحص، إذ لا يزال كثير من الأفراد يجهلون أنهم يحملون فيروس التهاب الكبد C.¹²
وتوجد خطة استراتيجية وطنية تعكس التزام المملكة بمكافحة هذا المرض.¹³
ومع ذلك، تواجه عملية تنفيذ الفحوصات على نطاق واسع تحديات تشغيلية. فلم يتم بعد دمج الفحص الروتيني بشكل كامل على جميع مستويات الرعاية الأولية، ولا تزال أدوات التشخيص محدودة في بعض المناطق النائية أو الريفية.¹⁴
ومع ذلك، فإن البنية التحتية موجودة بالفعل في معظم الدول، بما في ذلك المغرب. فمن خلال دمج فحوصات التهاب الكبد في أجهزة مراقبة الحمل الفيروسي لفيروس نقص المناعة البشرية، يمكن تحقيق فحوصات متعددة للأمراض، تقدم نتائج للكشف عن التهاب الكبد B وC وفيروس نقص المناعة البشرية والسل وفيروس الورم الحليمي البشري على منصة واحدة.¹⁵
لا تعمل هذه المقاربة على تبسيط الرعاية فحسب، بل تخفض أيضًا بشكل كبير تكلفة المريض الواحد، خاصة في المناطق التي يصعب الوصول إليها ضمن النظام الصحي العمومي المغربي – وفي ظل مرحلة مضطربة، حيث تبقى توقعات التمويل الدولي محدودة، توفر المختبرات التي تدعم الفحوصات المتكاملة حلًا عمليًا وفعالًا.¹⁵
تجاوز هذه التحديات المتشابكة سيتطلب حلولاً طبية وإرادة سياسية وثقافية، إلى جانب إشراك المجتمعات المحلية واستثمارات مستدامة في تقوية النظم الصحية.
ومن خلال شراكات مبتكرة بين القطاعين العام والخاص، شهدنا بشكل مباشر كيف أن إعطاء الأولوية للتشخيص المبكر يمكن أن يقضي على التهاب الكبد على نطاق واسع.
فعلى سبيل المثال، في مصر، أعطت الحكومة، بدعم محلي وعالمي، الأولوية لدعم التشخيص الجزيئي وتدريب الكوادر بالتعاون مع القطاع الخاص، ما ضَمِن إدارة برامج الفحص بالشكل الصحيح وتقديم نتائج دقيقة مع كل فحص.¹⁶
وفي غضون عقد واحد من الشراكة، أصبحت مصر أول دولة تحقق حالة “الاعتماد الذهبي” من منظمة الصحة العالمية، حيث قضت فعليًا على التهاب الكبد C. أما في المغرب، فقد حققنا تقدمًا، لكن يمكننا القيام بالمزيد ونحن نتجه نحو عام 2030.¹⁵
ماذا يمكننا أن نفعل – دعوة وطنية للتحرك
إلى كل مغربي: لديك الحق في معرفة حالتك الصحية. أنت لا تنتظر حدوث أزمة قلبية قبل أن تفحص ضغط دمك. والأمر نفسه ينطبق على التهاب الكبد. قد لا تظهر الأعراض إلا بعد فوات الأوان. الفحص بسيط وسري ويمكن أن ينقذ حياتك.
من خلال معرفتك لحالتك الصحية، أنت لا تحمي صحتك فحسب، بل تضمن مستقبل أسرتك، ورفاهية مجتمعك، وتنمية بلدك.
لأن للجميع الحق في إجراء الفحص، وللجميع الحق في فرصة حياة أكثر صحة وأطول عمرًا.
تابعوا آخر الأخبار عبر واتساب


انضم إلينا واحصل على نشراتنا الإخبارية