سامي المودني يكتب: إعلامنا العمومي بعد كوفيد -19
رئيس المنتدى المغربي للصحافيين الشباب
جددت جائحة كوفيد-19، التأكيد على محورية وأهمية دور وسائل الإعلام العمومية في إخبار وتأطير المواطنين. المتلقون استحسنوا التزام الإعلام المملوك للدولة بشكل عام بمبادئ الخدمة العمومية، خلال فترة الحجر الصحي، التي فرضها انتشار فيروس كورونا المستجد.
ففي دراسة علمية رصينة، أنجزها المعهد المغربي لتحليل السياسات، حول موضوع: “فيروس كورونا المستجد: آراء المغاربة حول التدابير الحكومية”، نجد أن أزيد من 60 في المائة كانوا راضين أو راضين جدا على أداء الإعلام العمومي، في مواكبته لجائحة كوفيد-19 (المصدر: https://mipa.institute/7440).
ونقصد بالخدمة الإعلامية العمومية، مجموعة من المعايير من الواجب على الإعلام الممول من دافعي الضرائب الالتزام بها بشكل دقيق جدا. هذه المعايير تتجلى، في تقديم مادة إعلامية تمتاز بالجودة والمهنية وتحترم أخلاقيات الصحافة، مع الالتزام بالتعددية السياسية والمجالية والثقافية، فضلا عن عدم التحيز والاستقلالية التحريرية عن المصالح التجارية والفئوية الحزبية.
والموضوعية تقتضي الإقرار، بأن كلا من وكالة المغرب العربي للأنباء والقنوات والإذاعات التابعة للقطب العمومي، ساهمت في إيصال المعلومات الصحيحة للمواطنين وتوعيتهم وشرح أهمية الإجراءات التي اتخذتها الدولة لمواجهة فيروس “كورونا المستجد” لهم.
على سبيل المثال لا الحصر، كان دور وكالة المغرب العربي للأنباء محوريا في التصدي للأخبار الزائفة، التي يتم تداولها على الشبكات الاجتماعية وغيرها من وسائل التواصل ووسائل الإعلام، عبر خدمة مخصصة لنشر جميع الأخبار الموثوقة ذات المصداقية حول فيروس كورونا.
كما لعبت قنوات وإذاعات القطب العمومي، دورها الأساسي الموكول لها في التوعية والتحسيس، إضافة إلى وظيفة الإخبار، وانفتحت بشكل أكبر على المنصات الرقمية وشبكات التواصل الاجتماعي، بغاية نشر المعلومات والإرشادات على نطاق واسع.
في المقابل، يمكن أن نسجل عددا من الملاحظات بشأن تغطية إعلامنا العمومي للجائحة، والتي تتجلى في ضعف حضور الفاعل السياسي والحقوقي والنقابي في النشرات والبرامج الحوارية، وهذا ما أشار إليه بوضوح تقرير للهيئة العليا للاتصال السمعي البصري، صادر خلال شهر غشت الماضي حول موضوع: “مواكبة الخدمات الإذاعية والتلفزية الوطنية لفترة الحجر الصحي”، (المصدر: https://cutt.us/7NRfl).
قد نتفهم أنه خلال المرحلة الأولى من تدبير الجائحة، كانت هناك ضرورة للتركيز على الإرشادات الصحية، لكن المراحل الموالية من تدبير الجائحة، كانت تستلزم فتح نقاشات عمومية أوسع بشأن التداعيات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية لانتشار فيروس كورونا، في إطار نقاش ديمقراطي بين مختلف الأطراف السياسية والحقوقية والنقابية. فعلى سبيل المثال، لم تأخذ النقاشات الهامة داخل البرلمان على مستوى اللجن خلال هذه المرحلة الحيز الأمثل في النشرات والبرامج الإخبارية.
نقطة ثانية تم تسجيلها، وهو أن نسبة حضور النساء في برامج والمجلات الإخبارية في الإعلام السمعي البصري ككل، فوفق إحصائيات الهاكا، فإن هذه النسبة لم تتجاوز 13 في المائة، سواء في القطاع الخاص أو العمومي، في الفترة من فاتح مارس إلى 30 يونيو 2020، وهو ما لا يتلاءم مع تفعيل مبدأ المناصفة بين الرجال والنساء في البرامج الإخبارية المنصوص عليه في دفاتر التحملات.
لكن أبرز الملاحظات المثيرة للانتباه، التي جاءت في تقرير “الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري”، وتذكرنا بواحدة من أبرز إشكاليات إعلامنا العمومي الإذاعي والتلفزيوني، فهو تسجيل “أفضلية للموضوعات الاقتصادية والاجتماعية، مقارنة بالموضوعات السياسية والثقافية، وكذا ترجيحا للمقاربة التواصلية القائمة أساسا على تقديم أرقام وإحصائيات وعرض بيانات وبلاغات، على حساب المقاربة التحليلية والتفسيرية لموضوع غير مألوف وفي ظرفية مرتبطة بتحديات مركبة ورهانات معقدة، علما أن دعم ثقة المواطن في الإعلام وتقوية قدرة هذا الأخير على تحفيز المواطن على المشاركة الإيجابية في التعبئة الوطنية يبقى رهينا بتحقيق هذا النوع من التوازن”.
جل الملاحظات الواردة أعلاه ليست وليدة أزمة كوفيد-19، في حين أن ما تم إنجازه خلال فترة الجائحة من التزام بعدد كبير من مبادئ الخدمة العمومية، يشكل أرضية وفرصة لفتح نقاش مجتمعي في المستقبل، يساهم في الدفع بالإعلام العمومي نحو تقديم خدمة إعلامية تستجيب بشكل أكبر لحاجيات الممارسة الديمقراطية، وتعزز قيم التعددية، ومنفتحة على جميع فئات المجتمع، وفقا لما جاء به دستور المملكة المغربية ولما هو متعارف عليه في التجارب الديمقراطية، وتماشيا مع المواثيق الدولية، التي تشدد على عدم فرض الدول لرقابة احتكارية على وسائل الإعلام وضرورة اتخاذها للتدابير المناسبة للحد من كل ما من شأنه الإضرار بتنوع الآراء.
إن تعزيز التعددية وتنوع الآراء، لا يعني أبدا التحول إلى منصة تواصلية للفاعلين السياسيين، وإنما تعني تقديم مادة إخبارية متوازنة تضمن للمواطن حقه في المعلومات، من خلال تسليط الضوء على عمل الأحزاب ومناقشة تصوراتها وقضاياها الداخلية بشكل أكثر حرية، بالإضافة إلى تسليط الضوء على عمل المؤسسات الانتخابية ومواكبتها إعلاميا، وأساسا البرلمان الذي نلمس ضعفا في التعاطي مع أخباره ومستجداته، لأن المؤسسة التشريعية ليست فقط عبارة جلسة للأسئلة الشفوية أو جلسة للمساءلة الشهرية لرئيس الحكومة، وإنما مقترحات قوانين ولجن برلمانية ولجن استطلاع وتقصي الحقائق، كما نلمس ضعفا في التفاعل السريع عبر فتح النقاش الحر بشأن عدد من القضايا المجتمعية التي تعرفها بلادنا.
تعزيز التعددية في مختلف مستوياتها السياسية والثقافية والجهوية، لا نقصد به فقط الواجهات التي يمكن تسمينها بـ”التقليدية” (تلفزيون، إذاعة، قصاصات الوكالة..)، وإنما يجب أن يكون حاضرا حتى على مستوى الواجهات الرقمية للإعلام العمومي، وأساسا في المواقع الإلكترونية الإخبارية التي تم إحداثها.
الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري، تقدم بشكل دوري ملاحظاتها وتوصياتها فيما يتعلق بضمانات التعددية في الإعلام العمومي، واعتبر أنه من اللازم أن يتم التفاعل معها بشكل إيجابي.
صحيح أن الهيئة تنشر تقاريرا تتعلق بواقع الإعلام السمعي البصري، كما أن المجلس الوطني للصحافة من اختصاصاته إصدار تقرير سنوي حول وضعية حرية الإعلام، إلا أن هناك حاجة كبيرة إلى إحداث مؤسسات بحثية تابعة العمومي، تسند لها مهمة تتبع قضايا الإعلام وتكوين الصحافيين وفق الطرق الحديثة، بالإضافة إلى إصدار الدلائل والدوريات العلمية حول وضع الصحافة ليس على المستوى الوطني فحسب وإنما على الصعيدين الإقليمي والعالمي، وهناك تجارب يمكن الاسترشاد بها في هذا الإطار، مثل معهد الجزيرة للإعلام، والوكالة الفرنسية لتنمية وسائط الإعلام CFI..
تابعوا آخر الأخبار عبر واتساب
انضم إلينا واحصل على نشراتنا الإخبارية