آخر ما قاله عبد الرحمان اليوسفي عن حكومة التناوب
لم يترك الراحل عبد الرحمان اليوسفي الفرصة تمر دون أن يكشف موقفه من الحكومة التي ترأسها بداية من 1998، وكانت هذه الفرصة بمدينة بروكسيل ببجيكا سنة 2003، حينما وضع بدايات التجربة وخلاصاتها تحت مجهره وهو العارف بالكثير من التفاصيل، والبداية في الورقة التي أعدها بنفسه هو الاعتراف بأن حكومة التناوب التوافقي جاءت نتيجة اتفاق بين الملك الراحل الحسن الثاني وبينه، عكس التوافق الذي حدث بين الملك محمد الخامس والحركة الوطنية، والذي ترتب عنه تشكيل حكومة عبد الله إبراهيم.
ومن هذا المنطلق يشرح الراحل عبد الرحمان اليوسفي أن الحكومة التي ترأسها، وإن تمكنت من الإجابة على عدد من الأسئلة الاجتماعية والاقتصادية والحقوقية والمالية… إلا أنها لم تفضي إلى تحقيق انتقال ديمقراطي بعدما اجتازت البلاد تناوب توافقي.
يتساءل اليوسفي في نفس الأرضية التي أصبحت مرجعا في موضوع الحكومة والانتقال إلى الديمقراطية: « والسؤال المطروح والذي يتعلق بالمستقبل هو : هل تم تطبيق شروط الانتقال إلى التناوب الديموقراطي؟».
قبل الاجابه عن هذا السؤال لا بد من إبداء الملاحظات التالية، يقول عبد الرحمان اليوسفي، والملاحظة الأولى تتعلق بضعف الحماس في الأوساط الشعبية الحماس إزاء الانتخابات التشريعية (التي أجريت في 2002، وأعطت المرتبة الأولى للاتحاد الاشتراكي، وكان ينتظر أن يتم تعيين اليوسفي وزيرا أولا فتم تعيين إدريس جطو) حيث أن نصف المغاربة البالغين سن التصويت قد عبروا بواسطة امتناعهم عن المشاركة في التصويت عن خيبة أملهم إزاء التناوب التوافقي، وأفهمتهم تجربة السنوات الخمس المنصرمة أن الحكومة لا تتوفر على السلطة الكافية من أجل القيام بمسؤولياتها وأنها كانت مقيدة بتقاليد عتيقة.
الملاحظة الثانية في نظر عبد الرحمان اليوسفي دائما، تكمن في أن المسطرة الانتخابية تم تبنيها في اطار التوافق مع جميع الاطراف مما جعلها مسطرة معقدة لا تتلاءم مع توجه الرأي العام.
أما الملاحظة الثالثة فتتلعق بنتائج الانتخابات التي قد تأثرت سلبا بالازمات الداخلية التي تعرفها كل الاحزاب ،فقد بلغ عددها 26 حزبا ،اربعة منها فقط كان لها حضور أثناء الانتخابات الاولى سنة 1960 (المحلية) وسنة 1963 (التشريعية) أما الاحزاب ال22 الاخرى فقد خرجت كلها من رحم الأحزاب الأربعة القديمة عن طريق الانشقاقات والتشتت . ولم تحتج الادارة الى خلق أحزاب جديدة كما كان عليه الحال طيلة الأربعين سنة الماضية.
والملاحظة الرابعة تتعلق بتسجيل تلك الانتخابات « انتصار حزب اسلاموي هو حزب العدالة والتنمية بحصوله على عدد ملحوظ من المقاعد » .. وهكذا إلى أن يصل عبد الرحمان اليوسفي إلى الرد على السؤال الكبير : هل تحقق الانتقال إلى التناوب الديمقراطي الذي يكون مبنيا على مؤسسات وليس تناوب توافقي مثلما تم الاتفاق عليه بين الملك الراحل وعبد الرحمان اليوسفي؟
يجيب اليوسفي ويرد: «إن المنهجية الديموقراطية كانت تقتضي أن يعين جلالة الملك الوزير الاول من بين أعضائه بالرغم من أن النص الحرفي للدستور يخول له حق تعيين الوزير الاول فقط؟ غير أن هذا لا يمنع- حسب روح الدستور ،ونظرا للممارسة التي دشنها التناوب – من أن تعود الوزارة الاولى للحزب الذي حصل على أكبر عدد من المقاعد (الاتحاد الاشتراكي 50 مقعدا ،الاستقلال 43 ،العدالة والتنمية 42 والتجمع الوطني للأحرار 41، في حين حصلت الحركة الشعبية علي ما مجموعه 45 مقعدا والاحزاب الاخري حصلت على ما بين مقعد 1 واقل من 20 مقعدا). ومن البديهي ،حسب النتائج أن الناخبين صوتوا من أجل عودة الاغلبية الحكومية وقيادتها وذلك بتزكية الحكومة السابقة ».
ويضيف اليوسفي أن المرحلة التي أعقبت انتخابات 27 شتنبر 2002 كانت خصبة بالمفاجآت والتغييرات في العلاقات بين الاحزاب: »ففي الوقت الذي كنا ننتظر الانتقال من ” التناوب التوافقي ” الى “التناوب الديموقراطي” اعلن بلاغ صادر عن الديوان الملكي يوم 9 اكتوبر 2002 أن السيد ادريس جطو ، وزير الداخلية في الحكومة السابقة ،قد عُيِّن من طرف جلالة الملك وزيرا أولا، والسيد جطو هو الذي أشرف على انتخابات 27 شتنبر 2002 التي تم الاجماع على التنويه بها في الداخل والخارج والسيد جطو لم يتقدم لهذه الانتخابات كما أنه لا ينتمي لأي حزب من الاحزاب ».
ويسترسل عبد الرحمان اليوسفي قائلا أنه كان على حزبه أن يتخد موقفا من هذا القرار وإزاءه، وقد اصدر المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بلاغا يعلن فيه أن تعيين وزير اول من خارج الاحزاب السياسية التي شاركت في الانتخابات والحزب الذي حصل على أكبر عدد من المقاعد لا يتماشى مع المنهجية الديموقراطية : «ودعونا بعد ذلك الى انعقاد اللجنة المركزية للاتحاد الاشتراكي من أجل اتخاد القرار بشأن مشاركتنا في الحكومة، وبالرغم من أن الاتجاه العام للنقاشات كان ضد مشاركتنا لأن تعيين الوزير الاول الجديد يشكل عودة الى الاساليب السابقة عن التناوب التوافقي ،التي كان لا بد لها ان تفضي الى تناوب ديموقراطي حقيقي فإن اللجنة المركزية خولت؛ في النهاية للمكتب السياسي اتخاد القرارات اللازمة ».
لقد كان قبولنا بقيادة تجربة التناوب مخاطرة أخذنا فيها في الحسبان المصلحة الوطنية وليس المصلحة الحزبية، واليوم وقد انتهت هذه التجربة بدون أن تفضي إلى ما كنا ننتظره منها، بمعنى التوجه نحو الديموقراطية عبر خطوات تاريخية إلى الامام ،التي ستشكل قطيعة مع ممارسات الماضي، فإننا نجد أنفسنا مرة أخرى أمام مطلب وطني يلزمنا بالانتظار سنتين على أمل أن نرى إمكانية تحقق الحلم في انتقال هادىء وسلس نحو الديموقراطية، ونتمنى أن لا نفقد في المستقبل القريب ملكة الحلم والقدرة عليه».
تابعوا آخر الأخبار عبر واتساب
انضم إلينا واحصل على نشراتنا الإخبارية