عزيز إدمين يكتب: تناقض التيار الإسلامي بين مطالب المجتمع ومعضلة مدنية الدولة
عزيز إدمين*
يحاول التيار الإسلامي في المغرب، دائما، أن يبقى سجين قراءاته الماضوية للحاضر، ومتمسكا بكل الوسائل من أجل عدم التقدم ولو بتوريط مؤسسات الدولة لخدمة مشروعه “الاسلاموي“.
وعلى الرغم من بعض التطورات الحاصلة على مستوى “مدنية الدولة” في جوانب تشريعية والممارسات العملية والمعيش اليومي للمواطن، إلا أن حزب العدالة والتنمية، إلى جانب جناحه الدعوي حركة التوحيد والإصلاح، يقاوم هذه التطورات، وهنا نستحضر النقاش الدائر حول الحريات الفردية وحق المرأة في الجسد والإيقاف الإرادي للحمل وغيره من الموضوعات المرتبطة بتعديلات القانون الجنائي.
وفي هذا الصدد نستحضر كل من طلب عبد الرحيم الشيخي، رئيس حركة التوحيد والإصلاح “المجلس العلمي الأعلى أن يدلي بدلوه، وأن يبيّن الخيط الأبيض من الخيط الأسود” في شأن النقاش حول موضوع الإجهاض بعد “مذكرة” المجلس الوطني لحقوق الإنسان، كما نستحضر عددا من تصريحات وزير الدولة في حقوق الإنسان مصطفى الرميد وعضو الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية التي أكد أكثر من مرة قوله بأنه لا يمكن قبول الحريات الفردية في دولة إمارة المؤمنين.
أولا: المس بالاختصاص الحصري لأمير المؤمنين
كلما وجد التيار الإسلامي السياسي نفسه في حرج بخصوص نقاش قضية تتعلق بالمساواة أو الحرية إلا ولجأ إلى محاولة إقحام مؤسسات بعيدة عنه، والغاية تتعلق دائما بأن تكون هذه المؤسسات جزء من المعادلة السياسية وأن تصبح طرفا فيها، وهنا نتحدث عن المجلس العلمي الأعلى، الذي يترأسه الملك بصفته أمير المؤمنين.
وليس أول مرة يلجأ الحزب أو الحركة إلى هذا الأسلوب، فقد سبق أن تقدم بنفس الطلب إلى المجلس العلمي الأعلى إبان مناقشة تعديل المادة 20 و21 من مدونة الأسرة، والتي أثارت نقاش بين مكونين من الائتلاف الحكومي السابق برئاسة عبد الإله بن كيران، حول إحالة موضوع النقاش بالسماح للقاضي بالترخيص للزواج من القاصر ما بين 16 سنة و18 سنة، أو القطع النهائي مع هذه الرخصة واعتبار جميع حالات الزواج تهم فقط الراشدين والراشدات، إذ طالب حينها الفريق النيابي للعدالة والتنمية بإحالة الموضوع على المجلس العلمي الأعلى وفريق التقدم الديمقراطي الذي طالب بإحالته على المجلس الوطني لحقوق الإنسان باعتباره الجهة المختصة في إبداء الرأي في كل ما يتعلق بملاءمة القوانين الوطنية مع التشريعات الدولية.
واليوم يتكرر نفس السيناريو، فبالعودة إلى ظهير رقم 1.15.02 الصادر في 20 يناير 2015 المتعلق بتتميم الظهير رقم 1.03.300 الصادر سنة 2004 المنظم لاختصاصات المجلس العلمي الأعلى، وخاصة مادته الثالثة تعطي الحق للملك وحده باللجوء للمجلس من أجل طلب دراسة قضية معينة، فقد حصرت المادة الثالثة طلب الرأي حول قضايا معينة من المجلس من قبل الملك بشكل حصري.
ماعدا إذا كان الحزب والحركة يريدان فتاوى من المجلس، وهي الفتاوى المنظم بظهير المجلس العلمي بمقتضى المواد من 7 إلى 10، وهنا يطرح سؤال الجدوى من الانتخابات والتدافع السياسي إذا كان التشريع سيخضع لأحكام قطعية بناء على فتاوى دينية؟ ألا يذهب الحزب والحركة إلى جعل من المجلس العلمي في هذه الحالة كهيئة عليا (وفق النموذج الإيراني) فوق البرلمان والحكومة وتكفي فتاويه من أجل الحسم في النقاشات المجتمعية والتشريعية؟
ألا يشكل الطلب الكبير لحزب العدالة والتنمية وجناحه الدعوي حركة التوحيد والإصلاح لتدخل المجلس العلمي الأعلى في الحياة السياسية والتشريعية، نوع من حشر هذه المؤسسة الرسمية في بوتقة حزبية معينة؟ وهنا نذكر برأي المجلس المتعلق ب “قتل المرتد” في إطار حرية المعتقد، بعد أن أحالت عليه المندوبية الوزارية المكلفة بحقوق الانسان مشروع التقرير الوطني الخاص بالعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، إذ أن المندوبية في تقريرها النهائي لم تعتمد على هذا الرأي، بل إن الامر دفع أن خصصت خطبة الجمعة (19أبريل 2013 ) بمسجد “أحد” بأسفي، التي ألقيت في حضرة الملك بنفس الأسبوع الذي صدرت فيه فتوى قتل المرتد، تتحدث عن سمو حرية المعتقد، إذ أكد الخطيب أمام أمير المؤمنين أن: “الإنسان حر لأنه لو لم يكن كذلك لما كان مسؤولا عن أعماله“٬ موضحا في الوقت ذاته أن حرية الإنسان لا تعني أن أفعاله غير مخلوقة من الله تعالى” وأضاف “مقام الحرية في الإسلام يبلغ في الأهمية وسلم الأولويات مقام الحياة، التي هي اجتماع علاقة الإنسان بكينونته في هذه الدنيا٬ وذكر بالحريات الفردية والجماعية التي قررها الإسلام، كحرية التدين والاعتقاد وحرية الرأي والتعبير٬ وحرية التمليك والتملك“
ثانيا: إقحام غير سليم لإمارة المؤمنين
صرح وزير حقوق الإنسان في مرات عديدة أنه لن يقبل بالحريات الفردية في بلاد يوجد فيها أمير المؤمنين، في إشارة “ضمنية” منه أن المطالبة بالحقوق والحريات تناقض الدين الإسلامي، في حين أن الأصل هو كون الدين الإسلامي لا خلاف حوله بين المغاربة، ولكن الاختلاف في تفسير النصوص والاجتهادات الدينية.
في ارتباط بالموضوع وبالعودة إلى خطاب الملك بتاريخ 10 أكتوبر 2003، بمناسبة المصادقة على مدونة الأسرة، الذي قال جاء فيه “فإن نظرنا السديد ارتأى أن يعرض مشروع مدونة الأسرة على البرلمان، لأول مرة، لما يتضمنه من التزامات مدنية، علما بأن مقتضياته الشرعية هي من اختصاص أمير المؤمنين“، وبالتالي المجال الشرعي يبقى من اختصاص أمير المؤمنين وما على الأحزاب السياسية والحكومة والوزراء بما فيهم وزير حقوق الإنسان، والفرق البرلمانية سوى الانكباب على المجال المدني، فإثارة السيد مصطفى الرميد لحقل إمارة المؤمنين كل مرة، هو إثارة للمجال “الشرعي” الذي ليس من اختصاصه كفاعل سياسي.
كما أن محاولة السيد الرميد وضع مطالبي الحريات الفردية كأنهم في مواجهة إمارة المؤمنين سلوك غير سليم، سيدفع الاتجاه الاخر إلى القول أيضا إن التمييز العنصري ضد الأطفال المولودين خارج إطار الزواج بفرض اسم معين لهم وفق المادة 16 الفقرة الثالثة من قانون الحالة المدنية، غير مقبول في ظل إمارة المؤمنين، وهو ما يتطلب الاعتراف القانوني للطلب وبشكل ميكانيكي الاعتراف القانوني بالأم العازبة، إن النطق بالأحكام باسم الملك وبدون الإقرار بوجود اغتصاب زوجي لكون القانون لا يعترف بهذه الجريمة، كما هو الشأن في قضية بمدينة طنجة، غير مقبول في ظل إمارة المؤمنين مما يقتضي تجريم هذه الاغتصاب …
إن إقحام إمارة المؤمنين في المجال السياسي من قبل الوزير يدفع إلى وضع تعارضات وهمية بين جزء من الشعب وملكهم، وهو غير صحيح، لكون من حقل إمارة المؤمنين سابقا، صدرت منه مؤسسات حقوق الانسان والحكامة والحقوق اللغوية والثقافية، وعدلت مدونة الأسرة وأسست هيئة الإنصاف والمصالحة من أجل مصالحة المغاربة مع دولته وماضيهم…
إن هروب الوزير إلى الأمام والدفع بإمارة المؤمنين، لا يختلف عن ذلك المواطن الذي يحتاج رخصة بناء أو شهادة سكنى أو عمل أو مشروع مقاول ذاتي فيتجه مباشرة إلى الملك عوض المؤسسات المنتخبة المحلية والوطنية، فكما الحريات الفردية وحق المرأة في الجسد إشكالية مجتمعية، فأيضا الفقر والتنمية ومحاربة الفساد إشكاليات مجتمعية، ولكن وجب أن تبقى هذه الإشكاليات في مجالها السياسي والمدني والاقتصادي وليس بالدفع بأحكام دينية يعتقد البعض أنها قطعية أو الاستعمال غير السليم لإمارة المؤمنين.
***خبير حقوقي مقيم بباريس