رباب السويحلي تكتب: أغثنا يا رسول الله فواقعنا مرير
رباب السويحلي
سنوات وقرون مضت على وفاتك يا رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، فأنت سيد الأولين والآخرين، وخاتم الأنبياء والمرسلين، فكنت الرسول الوحيد الذي اجتباه الله وانتقاه، وتكفل به ورعاه، وأنزل عليه الكتاب وعلمه، وكنت الرسول الأكرم والنبي الأشرف، وصاحب الحظوة والمكانة والدرجة الرفيعة، التي لا يحلم بمثلها ملك مقرب ولا نبي مرسل.
بأبي أنت وأمي يا رسول الله وحبيبه، ما أحوجنا إليك، وما أشد حاجتنا إلى سننك، وما أعظم حنينا إلى نهجك، وما أجمل أيامنا وأفضل زماننا بصحبتك، وما أسوأ حالنا بدونك، فقد سدنا وارتقينا يوم كنا معك، وأصبحنا سادة الأمم عندما حملنا رسالتك، وآمن بنا الناس وصدقتنا الأمم يوم أن روينا أحاديثك، ونقلنا سيرتك، واقتفينا أثرك وعملنا بسنتك.
لكننا اليوم يا رسول الله في حال سيء وواقع مرير وتعيس، وحياة مذلة وظرف بئيس، تداعت علينا الأمم كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها، اجتمعت علينا واتحدت ضدنا وتآمرت علينا واستطاعت أن تنال منا، ونهشتنا وألقت بنا، وفرقت بيننا وتغلبت علينا، وجلست تتفرج علينا، والأمر من هذا أن من ساعدوها من بني جلدتنا ومن أهل ملتنا، ممن خانو أماناتهم وانقلبوا على عهودهم، وتـمردو على أمتهم ولم يحفظو دينهم، فكانو أداة للتخريب والدمار، وسببا في ما نحن فيه من تيه وضياع.
لن يسرك يا رسول الله حالنا هذا ولن يرضيك، فما كنت تظن أن يحل بأمتك ما أصابها، ولن أخفي عنك يا رسول الله، فمجتمعاتنا أصبحت تعيش حالة من الضياع والتشتت والتشرذم والإغتراب القيمي وعدم الإستقرار الخلقي، فاليوم نحن نقف أمام تيارين مثيرين للجدل، بين السير في اتجاه التيار الجارف من القيم الحداثية والعصرنة، و بين التشبت بالقيم الأصيلة والهوية العريقة.
فقد أصبحنا يا رسول الله في غيابك نقتدي بالغرب و نقلدهم في كل شيء، ويا ليته لو كان تقليدا مبصرا بل تقليدا ذو (العين العمياء والعين المضببة )، فوصلنا بهذا التقليد الأعمى إلى مفترق الطرق لا نحن من هؤلاء ولانحن كما كنا،( كالغراب الذي أراد تقليد البطة في مشيتها، فلم يفلح وعندما أراد الرجوع إلى مشيته تعذر عليه ذلك أيضا، فلا هو أفلح في التقليد ولا هو بقي على أصله)، هذا هو حال المجتمعات العربية كافة ، فوضعها يا رسول الله لا يبشر بالخير، فأخلاقها طغت عليها الماديات والملاهي والشهوات والأنانية والمصلحة الذاتية ناهيك عن المحرمات بشتى أنواعها، وعند سؤالهم يجيبونك بأن هذه هي الوسطية والإعتدال ومسايرة العصر وغيرها من التعليلات الغير المبررة.
إني أتحدث إليك يا رسول الله بحرقة وألم تجاه الأوضاع الإنسانية التي حلت بنا اليوم، وبدوري لا أريد لهذا الإنسان العاجز أن يمشي على رأسه و يفكر برجليه، دعني أحدثك عن بعض من هذه المظاهر التي نراها يوميا في الشارع ، فهناك شباب يلبس على صدره ألبسة فيها محذورات شرعية كالصور أو كرسم الصليب أو كلاما كفريا لا يفقه معناه، و تراه سعيدا بذلك اللباس، وهناك رجال اتخذو من المقاهي مقرا لهم يقامرون و يمارسون جميع أنواع الغيبة و النميمة والكلام الفارغ، ونساء انشغلن بالموضة والزينة و الحديث التافه… هذه أشياء عادية جدا وبديهية، فما بالك يا رسول الله لو تعمقنا في الواقع أكثر فهناك سنجد كل مظاهر الإجرام والقتل والإنتحارات المتتالية و الزنا، إضافة إلى مشاهد لا أخلاقية لا تعد ولا تحصى…
يبدو الإنسان على شاكلته يقع، وكبوة الإنسان العربي كانت كبيرة يتجرع مرارتها اليوم. فبعد أن كان هو الرائد في جميع المجالات و خاصة العلمية منها، والتي بفضلها مكنته من بسط أخلاقه على العالم وذاع صيته في العلى حتى تهافت عليه أصحاب العقول النيرة، فما إن احتفل بصعوده حتى حدث عطب في التاريخ فسقطت أعمته و تدهورت أوضاعه، فبدأ يفقد مكانته لصالح وافد جديد عرف أسباب التقدم و قوانين الرقي و مبادئ النمو .
محمد يا رسول الله يا نبي الرحمة ورسول السلام، يا خير من وطئت الأرض قدماه، في ذكرى ميلادك العظيم ، نسأل الله الرحمة بأمتك والرفق بأتباعك والنجاة لإخواتك وأصحابك، ونرفع بعالي الدعاء إلى الله، لنعيد المجد للمسلمين وعزة الأولين، ونستعيد وسطية الأمة، ونكون فيها الأقوى والأفضل والأكثر خيرية ونفعا.
تابعوا آخر الأخبار عبر واتساب
انضم إلينا واحصل على نشراتنا الإخبارية