زكرياء لزمات يكتب: سيدي وزير التعليم المحترم.. المشكل ليس في لغة التدريس بل في كل شيء
نحتاج لوقفة صريحة مع الذات، مع الدولة والمجتمع ومع الأفراد واحدا واحدا، يجب أن نتأكد أن ضجة لغة التدريس نابعة من رحم المعاناة، وولادتها إرادة قوية لتغيير شيء ميليميتري من الوضع الكارثي للتعليم، وكذلك لنفهم جيدا أن أهدافها مسطرة قبلا، وأن السيد الوزير المحترم قد راجع رفقة مستشاريه ومكاتب الدراسات كل النتائج والاحتمالات، وأن الغاية تمت دراستها من جميع الجوانب التقنية والعلمية واللوجيستية، والخطط التي تسبق التنفيذ والتطبيق قد وضعت فوق الطاولة قبل تنزيل أي شيء لتجربته على تلاميذ اعتادوا الدراسة باللهجة المغربية (الدارجة).
هل تعلمون سيدي الوزير أن “اللغات الأجنبية” في مؤسساتنا تدرس بالدارجة؟
هل تعلمون سيدي أن الرياضيات والفيزياء وعلوم الحياة والأرض تدرس بالدارجة، وأنه من الأولى بكم، الحرص على توفير مختبرات يستفيد منها التلاميذ “تطبيقيا” لمثل هذه المواد العلمية؟
هل تعلمون أنكم إن قمتم اليوم أو غذا باستفتاء داخل المؤسسات التعليمية، لاختيار لغة التدريس ستصدمون بالأجوبة التي سيفرزها استفتاؤكم؟
أنا لست ضد التعليم او التدريس بلغة فرنسية أو انجليزية أو غيرهما، لكنني فقط أطرح أسئلة عالقة في ذهني وتدور في بال الكثيرين من أمثالي، ممن لديهم قليل من الملاحظة ويستمتعون في دقة الوصف و (التحكار).
هل وضعتم سيدي المحترم أساليب جديدة لمواجهة البيع والشراء والابتزاز والجنس مقابل النقط، الذي ينخر جسد المنظومة نهاية كل فصل دراسي؟
هل لديكم علم، ونحن نعلم أنكم تعلمون جيدا، بمشاكل المراحيض (أستسمح) لكنه مهم للتلاميذ بشكل كبير، أكثر من لغات التدريس.فالإبداع سيدي الوزير، الذي لا تتم تنميته في صفوف التلاميذ، مع قلة مرافق التنشيط وتقوية القدرات والاستثمار في عقول ومواهب التلاميذ، جعل من المراحيض خزانا لإظهار ما بقي من رفض وعنف وانكار وهروب من واقع المؤسسات ومحيطها المؤلم، سيدي المحترم.
على ذكر المحيط، هل تعلمون سيدي الوزير أن عددا من الآباء والتلاميذ يشتكون من الترويج لأشياء من الممنوعات بجانب المؤسسات؟ على شكل حلوى (أقراص وأشياء أخرى …) أصف الوضع بصدق، وغرضي تذكيركم لأنني أعلم أنكم تعلمون كل شيء.
قلتم سيدي في احدى بلاغاتكم التوضيحية، أن نسبة الهدر المدرسي بالسلك الابتدائي على المستوى الوطني للموسم 2017/2018، بلغت 1.1 فالمئة، أي 38الف 740 تلميذ وتلميذة، وبالسلك الثانوي الاعدادي بلغت 12 فالمئة، أي 183 الف 218 تلميذ وتلميذة.
نعم سيدي المحترم، رغم انكم وددتم إزالة حجاب المغالطات الذي راج في وقت سابق حول هذه الأرقام، ظنا منكم أنه انجاز عظيم، لكن 221 الف و 958 عقل مغربي، رقم مهم وكبير جدا.
هذه النسبة سيدي الوزير التي تركت مقاعد الدراسة، هل قمتم بتتبع دقيق لوضعيتها قبل وبعد الهدر؟ ماهي ملاحظاتكم لأسباب هذا الهدر؟ وكيف لكم أن تقفو صامتين وتخرجون بلاغا لتكذيب ما يروج دون أن نلمس منكم مواجهة عنيفة لإرجاع العقول لصفوف الدراسة؟
ألا ترون سيدي المحترم، أن هدر الزمن المدرسي والتربوي الذي تعيشه المنظومة قد أرهق الجميع، خصوصا ملف التعاقد الذي يحتاج حوارا صريحا و رؤية ناجعة لتجاوزه قبل كل شيء؟
قلتم على المباشر أن “ملف التعاقد لا رجعة فيه”.. هل هذه لغة حوار وتواصل سيدي الوزير؟ ألا ترون أن المسألة تطورت وأصبحت سياسية أكثر، وتحتاج لرؤية سياسية واضحة ومعالجة مبنية على التوافق والتفاوض؟
الأسئلة كثيرة جدا سيدي، لذلك أقول لكم أن لغات التدريس وملفات أخرى مرافقة لها، من الأمور التي لا تحتاج ضجة كبيرة من أجل تمريرها يكفي أن تصنعوا لها أرضية تفرضها وتجعل تنزيلها أسهل من صياغتها.
وأؤكد لكم أن خطاب التجديد الذي أثاره ويثيره عدد من الشباب الفاعل داخل المنظومة التعليمية، لم يكن مجرد احتجاج عابر، بل رغبة جامحة أفرزتها الأحداث المتتالية، التي تصيب إطارا من المفروض أن يكون في منأى عن أي تشويش أو ارتباك.