الصيدلة بين القانون الجنائي والخدمة الاجتماعية
إن مهنة الصيدلاني تجعل من الصيدلية الوجهة المفضلة لدى غالبية المواطنين المغاربة، الذين يعانون من ضعف التغطية الاجتماعية والصحية ولدى الفئات الهشة، التي تعاني من رداءة الخدمات الاستشفائية، مما يضع الصيادلة بين سندان القيام بدور يفرض عليهم أحيانا أن يتجاوزوا اختصاصاتهم ومطرقة القضاء و سوء تأويل عملهم.
وفي الواقع، فإن الصيادلة لم يختاروا هذا الوضع بل أجبروا عليه، لاسيما أن العلاج الصحيح للمريض يحتاج زيارة للطبيب والخضوع لفحوصات دقيقة، تنتهي بوصفة طبية محددة يكتبها الطبيب لمريضه، ثم يتوجه هذا الأخير إلى الصيدلية التي تصرف الدواء بعدما يتأكد الصيدلاني من خلو الوصفة مما قد يتعارض مع حالة المريض أو يتسبب له في أعراض جانبية.
ورغم التطورات الحاصلة في قطاع الصحة، إلا أن مزاولة مهنة الصيدلة لازالت تخضع لقانون يعود إلى سنة 1922، (قانون المواد السامة الخاصة بالإنسان و الحيوان)، والذي يصنف المواد السامة أي “الأدوية ” الى 3 لوائح هي A /B /C، حيث أن الأدوية المخدرة هي التي تدخل في اللائحة B.
ومن الناحية العملية، فإذا كانت الأدوية التي تدخل في الخانتين Aو С يتم صرفها عند تقديم المريض وصفته طبية للصيدلي، فالأمر يختلف بالنسبة للأدوية “المخدرة”، خصوصا أنها غير متوفرة في الصيدليات، باستثناء تلك المتواجدة على مقربة من المراكز الإستشفائية الجامعية أو مراكز علاج السرطان أو الصيدليات الداخلية للمصحات أو المستشفيات العامة.
كما أن صرف الأدوية التي تدخل في اللائحة “B” يحتاج إلى وصفة خاصة من سجل الأدوية “المخدرة”، حيث يتم صرفها بعدما يتم تسجيلها في سجل الأدوية المخدرة، الأمر الذي يجعل إمكانية تداول مثل هذا النوع من الأدوية أمرا معقدا للغاية، وبالتالي فهو يقتصر على عدد جد محدود من الصيدليات .
و من جهة أخرى، لوحظ في الآونة الأخيرة ارتفاع محاكمة الصيادلة جنائيا، في حالات يصرف فيها هؤلاء أدوية من النوع “A”، التي تستعمل لعلاج أمراض الجهاز العصبي، وهي حالات يصف فيها الإعلام غير المتخصص، تلك الأدوية بـ”المهلوسة” ويصف فيها الصيادلة بمروجي “القرقوبي” للأسف.
وفي السياق، باتت الأدوية المصنفة ضمن “A” تثير الريبة لدى فئة عريضة من الصيادلة، بحكم توريطهم في قضايا تتعلق بالتزوير، إلى جانب تعرضهم لعدد من الاعتداءات المسلحة من قبل مروجي الحبوب التي يؤدي سوء استعمالها أحيانا إلى “الهلوسة”. وأود أن أؤكد على “سوء الاستعمال”، لأن استعمالها الصحيح يجعل منها أدوية لعلاج الجهاز العصبي.
وأمام الاعتداءات والاعتقالات التي أضحت تطال الصيادلة، أصبح من الضروري الضغط على “زرّ الإنذار”، لأن ذلك قد يؤدي غالبا إلى امتناع الصيادلة نهائيا عن التعامل بهذه الأدوية، التي تدخل في خانة اللائحة “A” ولا يصنفها القانون كأدوية مخدرة من اللائحة “B”، كما أن ذلك سيكون له تأثير سلبي على المواطن المريض، الذي يحتاج إلى تناول دوائه، مما سيصعب على وزارة الصحة مهمة توفير العلاج لهذا النوع من المرضى.
وكحل أساسي يجب على الدولة أن تعترف بالدور الاجتماعي الأساسي الذي يقوم به الصيدلاني وتتخذه شريكا لها وليس خصما في عملية العلاج، مع ضرورة الحرص على حماية الصيادلة من كل ما قد يؤدي إلى انتشار ثقافة الخوف من القيام بواجبهم، وأن لا يتم إدخالهم في خانة مروجي المخدرات أو محاكمتهم وفق قوانين سالبة للحريات.
ومعلوم أن صرف الدواء للمريض هي مسؤولية الصيدلاني، التي تجعله تحت طائلة القانون إذا من تمت دون وصفة الطبيب، غير أنه من جهة أخرى، قد تتم معاقبتهم في حالة عدم تقديم المساعدة لمريض في حالة خطر وذلك ولو دون وصفة طبية ونذكر منها حالة مرض الصرع والسكيزوفرينيا والباركينسون و أمراض القلب والشرايين، وغيرها من الأمراض، التي يؤدي عدم تناول أدويتها في الوقت المحدد إلى تفاقم حالة المريض أو إصابته بنوبة قاتلة.
وفي الختام، لا بد من وضع النقط على الحروف، ذلك أن الصيدلاني وهو يقوم بصرف الدواء -أي نوع من الدواء- فهو يعمل على تطبيق التكوين العلمي الذي جعل من “الدواء” تخصصه، وأي عقاب يخضع له في حالة الخطأ يجب أن يكون “مهنيا” و ليس جنائيا مادام لم يصرف أدوية اللائحة “B”، فكيف يتم اليوم وفي مختلف مدن الوطن معاقبته بعقوبات سالبة للحرية وهو يقدم خدمات لازال الجميع يرفض أن يعترف له بكونها اجتماعية صحية، الأمر الذي يجل كل صيدلاني، يحس أنه في حالة “سراح مؤقت “.
جاد علابوش
تابعوا آخر الأخبار عبر واتساب
انضم إلينا واحصل على نشراتنا الإخبارية