عبد الإلاه حمدوشي يكتب: الإشاعةُ سلطةً خامسةً
ما نعيشه في السنوات الأخيرة من استهداف إعلامي وسياسي لشخصيات وطنية بارزة، عن طريق نشر الإشاعة وفبركة الصور وكتابة المقالات المعنونة بالأسئلة والشكوك، يُظهر لنا بجلاء كيف أن الإعلام المهني، اليوم أصبح ضرورة وجودية لا بد منها للوقوف في وجه “تسونامي” الإعلام المُغالِط والمتنوع، في عالم لا ينقل الواقع كما هو بل ينقل صناعة الواقع فحسب، الصناعة التي تتقنها أجهزة إعلامية توجه رغبات المواطنين وتعيد صياغة أفكارهم ونظرتهم للقضايا.. إعلام يصنع قضية ليست بالضرورة موجودة على أرض الواقع وينتصر لها بالكلمات والصور.
إذ لم يعد الإعلام فقط سلطة رابعة، بعد السلط التشريعية والتنفيذية والقضائية، بل يمكن أن نقول إن الإعلام أصبح ذراعا من أذرع سلطة خامسة تسمى “الإشاعة”، التي هي حالة غير بريئة تنبني على خطط معدة مسبقة وبشكل متقن وباحترافية عالية جدا، تقوم بصياغتها جهات لها أهداف معينة لخلق واقع جديد، يصب في مصلحتها في النهاية.
ويمكن للمتابع الذكي، أن يلحظ بالعين المجردة عدد الصفحات الفايسبوكية الممولة، التي تروج لنفس الفكرة ونفس “الخبر”، مرفوقا بسيل جارف من التعليقات الصادرة من حسابات “الذباب الالكتروني”، الحديثة الإنشاء، والمجهولة هوية أصحابها، والتي تحظى برعاية مواقع إلكترونية مشبوهة ومشهورة باختصاصها الذائع الصيت في صناعة الفضائح والمساهمة في الإسقاط والاتهام الأخلاقي للشخصيات الوطنية المزعجة.
مثلا، نجد أن عدد الصفحات الفايسبوكية والمواقع الالكترونية والقنوات على موقع “يوتوب” المجندة لإدانة الحقوقي المغربي والقيادي في حزب العدالة والتنمية الدكتور عبد العلي حامي الدين، في قضية وفاة الطالب اليساري بنعيسى أيت الجيد بفاس قبل ربع قرن، هي بالمئات بل قل بالآلاف.
إذ في الوقت الذي تطالب فيه هذه “الأبواق” حزب العدالة والتنمية وقياداته بترك الكلمة للقضاء وعدم التعليق على قرار إحالة حامي الدين على غرفة الجنايات بمحكمة الاستئناف بتهمة “المشاركة في القتل العمد”، والذي استغربت منه شخصيات سياسية وحقوقية وطنية، واعتبرته قرارا غير قانوني وذا طابع سياسي، نجد أن نفس هذه المنابر لا تتوانى في اتهام حامي الدين -لمزا أو غمزا أو بالتصريح في مرات عديدة- بالضلوع في “قتل” أيت الجيد قبل 25 سنة.
نفس الأمر نلحظه حين النظر إلى الحرب المعلنة إعلاميا على آمنة ماء العينين الوجه النسائي البارز والمزعج في حزب العدالة والتنمية، والتي تتعرض بدورها لحملة تشهير وتشويه واسعة النطاق، عن طريق نشر صور منسوبة لها، مشكوك في صحتها، مرفوقة بأخبار ملفقة وتصريحات كاذبة، يبدو أن الغرض منها أولا وأخيرا هو “الاغتيال الرمزي” لماء العينين، وزعزعة ثقة المواطنين في تيار مجتمعي مزعج استطاع الصمود مسنودا بحاضنة شعبية كبيرة زالت مستمرة منذ سنوات أزعجت خصومه، وجعلتهم يهرعون للتفكير في العمل على إعادة تشكيل الوعي بما يتناسب وصناعة الواقع المراد فرضه، عن طريق استخدام الإشاعة والنكات أو استخدام الماضي السياسي ووصم تيار أو جهة به وتبرئة آخرين وفربكة دراسات وتقارير، وكذا التلاعب في ترجمة مقاطع فيديو في بعض الأحيان لبتر الحقائق.
ومنه، فقد صار واجبا اليوم على الإنسان الذي يتمتع بعافية نفسية أن لا يساهم في نشر الإشاعة الرخيصة من أجل تشويه سمعة الآخر مهما كانت الظروف، ومهما كانت الملابسات، فحبل الإشاعة والبهتان أقصر من حبل الكذب حتى وإن ساهمت -أتحدث عن الإشاعة- في تشكيل رؤى محدودة في لحظات حقد أيديولوجي، لأنه عاجلا أم آجلا ستنتهي الإشاعة بعد أن تفتر همة مرويجها وسيكون حصادها الحسرة والندم.
ختاما، وكما قال الكاتب السوداني ياسر محمد محمود البشر، في مقال له بعنوان: “الجندي الخفي”: “لن تقنع الذباب بأن الزهر أفضل من القاذورات، وبأن النظر إلى الأشياء بعين النحل ليس من طباع الذباب، فالنحلة تمتص الرحيق وتقدم عسلا سائغا شرابه فيه شفاء للناس وراحة للأنفس، أما الذباب فإنه يعرف أين يعيش ومن أين يستمد قوة تواجده، والفرق ما بين الذبابة والنحلة كالفرق ما بين الحقيقة والإشاعة، والنفوس الكبيرة هي التي لا تلتفت كثيرا للشائعات”.
تابعوا آخر الأخبار عبر واتساب
انضم إلينا واحصل على نشراتنا الإخبارية