“بيلماون” .. أسطورة تراثية تخرج عن المألوف في “سوس”
بأزياء عبارة عن جلود الماعز أو الغنم تنبعث منها رائحة كريهة، وبأقنعة قريبة من شخصيات أفلام الرعب، يجول عدد من الأشخاص مدن و بوادي سوس، يقرعون الطبول في أشكال فرجوية دأبوا القيام بها كل عيد أضحى من أجل الترفيه عن السكان السوسيين، وإحياء عادات مرتبطة بهم منذ سنين، لاسيما وأن أغلب هؤلاء السكان من أصحاب المهن الحرة يتخذون من فترة عيد الأضحى عطلة سنوية للترويح عن أنفسهم.
فمباشرة بعد انصرام فترة ذبح الأضاحي وتناول وجبة الغذاء، في أول أيام العيد، تبدأ مجموعات “بوجلود” أو ” بيلماون” بالأمازيغية، في التقاطر على الأحياء السكنية، عبارة عن شبان تتراوح أعماهم ما بين الـ14و الـ26 سنة، كأقصى تقدير، يطرقون أبواب المنازل، حاملين في أيديهم قوائم خرفان يوجّهوه بواسطتها ضربات إلى كل رافضٍ مدهم ببعض الدراهم، و منهم من يضرب بها كتف شخص رغم إعطائهم ما تيسّر، مُعتبرين تلك الضربة من ما يُطلق عليه بـ” البُروك”، اعتقاداً منهم أن ضربات “بوجلود” تزيل النحس وتنزل الخير و البركات.
من شخصية فرجوية إلى كائن شرس
قام “سيت أنفو” بجولة في عدد من الأحياء بأكادير؛ و عاين وسط حي “إحشاش” المُحتضن لاحتفالات بوجلود، شخصان يرتديان زيان تنكريان من جلد الماعز، مع قناع يُخفي ملامح وجهيهما، اتجها صوب مجموعة من الفتيات جلهن في العشرينات من عمرهن، و طالبا منهن مدهما بـ”التدويرة”، غيرَ أن رفض هؤلاء الفتيات لطلبهما جعلهما ينهالان بالضرب المبرح على أجسادهن بواسطة مطاط إطارات الدراجات إلى أن ذرفت عينا إحداهن بالدموع، جراء قساوة الألم.
خالد، شاب يقطن في الحي المذكور، قال في تصريح لـ”سيت أنفو” إن ظاهرة بوجلود تكاد تخرج أو بالأحرى خرجت عما هو مألوف، إذ تحوّلت من ظاهرة احتفالية إلى فرصة يستغلها بعض الأشخاص خصوصا المنحرفين منهم، لتصفية حسابات شخصية و الإنتقام من أعدائهم، ما دامت الأقنعة البشعة التي يرتدونها كفيلة بإخفاء ملامحهم، بحيث لا تظهر سوى أعينهم.
و استطرد المتحدث ذاته، بالقول إن ” البعض ممن يرتدون تلك الأزياء التنكرية يعمدون إلى ارتكاب أفعال إجرامية، والمتمثلة بالدرجة الأولى في السرقة والنشل، بحيث يتعرض لها مواطنون لا يريدون سوى أن يحظوا بقليل من الفرجة و الإستمتاع بأهازيج و رقص المتنكرين في أزياء مختلفة، وخصوصا في فترة المساء، حين تمتلئ الشوارع بأصحاب الأزياء التنكرية، بحيث لا يستطيع أي أحد أن يُميز بينهم”.
احتفالٌ ديني و استغلالٌ من أجل التسول
أطفال قاصرون و شباب من مختلف الأعمار، يتنكرون في أزياء جلدية أو أزياء متطابقة مع شخصية ما، وفي أيديهم قوائم خرفان أو مطاط، يتجولون بين الأزقة و الشوارع و الأحياء، يطلبون من كل من يُصادفونه في طريقهم، بأن يمدهم بـ”الصدقة”، فرصةٌ ينتظرها بعضهم بفارغ الصبر من أجل جمع مبلغ مالي، يكادون خلالها يتساوون مع المتسولين الذين يمتهنون الحرفة و يُمارسونها بشكل يومي، معتبرين إياها مصدرا وحيدا للرزق.
أيوب، شاب في الواحد و العشرين من عمره، من قاطني حي “إحشاش”، يرتدي زيا من جلد الغنم و يضع قناعا مُرعبا، أورد أن تلك الدراهم التي يمدها بها الناس بمعيّة رفاقه ممن يرتدون هذه الأزياء، لا يُمكن اعتبارها ناتجة عن التسول، مُضيفاً أنهم يقومون فقط بما شاهدوا أشخاص أخرين يقومون به لما كانوا صغار، إذ يضربون أكتاف الناس بقوائم خرفان ثم يمدونهم بدراهم معدودات من تلقاء أنفسهم ودون طلب منهم”، على حد قول المتحدث.
ويُؤكد أيوب ضمن تصريحه لموقع “سيت أنفو”، أن ثمة أشخاص، في أزياء مختلفة، جلهم قاصرين، يجولون عددا من المحلات التجارية و المقاهي وحتى محطات سيارات الأجرة في أحياء مختلفة على غرار “إحشاش، تالبورجت، بوتشاكات وغيرها”، و يطلبون من الناس مدهم بـ” الصدقة”، مُعتبرا ذلك الفعل غير صائب.
ومهما يكن من أمر، فـ”بوجلود” أو ” بيلماون ” بالأمازيغية في نظر آخرين، تراث مغربي وجب المحافظة عليه، فأصله هو نشر الفرحة والسرور وجمع المال من أجل أهداف خيرية، وليس جمع المال لمصلحة شخصية، وكل هذه التفرعات التي أوصلته إلى حد الاعتداء على الناس وسرقتهم وإزعاجهم تبقى هي السبب الأساسي الذي يجبر الكثير من الناس على مقاطعته، أما لو تم الإعتناء به كشكل فرجوي مغربي، وتم تنظيمه بإبعاده عن الميوعة، وجعلته الدولة في قائمة الفنون الإبداعية التراثية التي تحتاج لاهتمام ولتقدير بالغ، فالأكيد أنه سيكون أسطورة تراثية ومفخرة للمغرب.