إسراء.. الطفلة التي تُعيد تربية الآباء المغاربة

سلسلة سيتكوم Sitcom “سوحليفة” التي تعرض على القناة المغربية الأولى تختزن درساً عميقاً في الواقع اليومي لواقع التربية المغربية وغياب احترام مكانة الطفل في الفضاء العائلي و هو بلا شك مِرآة لسلوك الكبار اتجاه الطفل. في الواقع هذا السيتكوم هو نفس العلاج النفساني الذي أقدمه للآباء مع أبناهم بتقنية “بْسيكودْرامْ” Psychodrame والتي تعتمد تبادل الأدوار حيث نطلب من الأبناء أن تلعب دور الآباء ونطلب من الآباء لعب دور الطفل ونحدد موضوع لعبة الأدوار “بسيكودرام” حسب نوعية الإشكال الواقع بينهم، حيث يدرك كلا الطرفين طبيعة سلوكهم الغير المنطقي وصعوبة الحوار الايجابي في هذه الظروف بعد تحليل التمثيلية.

**تحليل الحلقة رقم 1 لسيتكوم “سوحليفة”
1- غياب الآباء: نرى أن الأم تترك إسراء وتهجر إلى فرنسا كما نلاحظ الأب غائبا تماما ولا وجود له. وفي مثل هذا الواقع اليومي يعيش الطفل المغربي دائما في رعب لأن الآباء دائما غائبون بالنسبة له، لأنهم لا يخصصون له وقتا كافيا ولا يهتمون به وكأنه يعيش مع أشباح نظرا لغيابهم العاطفي والتربوي وبمعنى آخر “الآباء موجودون جسديا لكن غائبون معنويا وعاطفيا”
2- غياب استعداد الآباء لدورهم الهام قبل الإنجاب: يجد الخال “بسار” نفسه أمام إسراء مسئولا فجأة عليها وعلى تربيتها والاعتناء بها بدون أي تجربة ولا استعداد ونرى الصعوبات التي يواجهها في هذا الدور المفاجئ له. بسار يُجسد كيف يبدئ الآباء دورهم التربوي بدون أي إلمام للقيام بدورهم التربوي وإسراء تجسد صعوبة تربية الأطفال.
3- التربية المغربية حالة حرب بين الآباء والأطفال: الصوت الذي يقدم الحلقة رقم1 من السيتكوم، يعلن عن الحرب بين بسار وإسراء ومع الأسف هذا ما نراه في المنازل حيث الآباء يتهجمون على الأطفال بالأوامر والتحذير والعنف، بينما الأطفال يشعرون بالتهديد والشعور بالرعب تحت ديكتاتورية الآباء.
4- إسراء مرآة لسلوك الآباء:
وهنا نرى عدة نِقاط يجب التركيز عليها:
أ- طريقة خطاب إسراء: صوت الطفلة حاد وقاسي جدا ونرى بسار صامتاً خائفاً. إسراء تلعب في الواقع دور الأب المتجبر بينما سبار يلعب دور الطفل الخائف. إسراء تُظهر للآباء طريقة خطابهم القاسي مع أبنائهم وغياب الخطاب التربوي الهادئ والعاطفي.
ب- السلوك الديكتاتوري: لما تشترط إسراء قهوة الصباح لكي تفتح عينيها، فهي تُقلد خطاب الأب الذي يرفض الحديث مع الأطفال قبل تناول قهوة الصباح. وبالنسبة للطفل هذا الشرط المسبق لا معنى له وما هو إلا شرط تسلطي عليه.
ت- المنزل بمثابة ثكنة عسكرية: تعرض إسراء لِـ بسار القوانين الداخلية للمنزل مثل انجاز احتياجاتها الصباحية وإغلاق باب المنزل مع الثامنة ليلا وحظر التجول. في الواقع نرى الطفلة إسراء و هي تقلد الآباء في خطابهم و تعاملهم السلطوي مع أبنائهم. في حين أن المفروض أن يكون المنزل فضاءً يعم فيه الأمان والسكينة والراحة وتسوده المحبة.
5- تغييب حقوق الطفل و تجاهل وجوده: تتحدث إسراء بغضب لكي تبعث رسالة للآباء ملخصها أن الطفل المغربي مرغم على الحوار العنيف (الصراخ، البكي..) من أجل تحصيل حقوقه ولإثارة الانتباه لوجوده.
** لماذا ينزعج المغاربة من هذا السيتكوم؟

لعدة أسباب وأهمها:
1- أمام المِرآة: نرى أن الطفلة إسراء وضعت الآباء أمام المِرآة وهي تلعب دورهم وتُظهر سلوكهم المتغطرس والعنيف والغير المنطقي. وبما أن المغاربة يفتقرون لثقافة الفكر النقدي وخاصة عندما يتعلق الأمر بـ نقد الذات، فنراهم يرفضون الاعتراف بواقع سلبيات سلوكهم التربوي وبدل ذلك صبوا غضبهم و انزعاجهم من على هذا “السيتكوم” فأشبعوه و أمطروه بالتعليقات و الانتقادات الحادة.
2- حرية الطفل في التعبير: المربون المغاربة يمارسون الديكتاتورية ويرفضون ديمقراطية الحوار مع أبنائهم كما يرفضون أن يخاطبهم أبنائهم بنفس أسلوبهم ومنطقهم. ونرى أن إسراء تخاطب “بسار” مثلما يفعل الآباء مع أبنائهم ويتجلى رفض الآباء لحرية الطفل في التعبير في هذه العبارة الشائعة في كل بيوت ومدارس وجامعات المغرب “قْلّْتْ لْحْيا وْ حْشوما تْرْدْ الهْضْرَة على لْكْبار”.
أجد عبر ما تسنى لي مشاهدته من هذا السيتكوم انه أداة تربوية نقدية تستحق الاهتمام و وسيلة فنية لتنبيه الآباء والمدرسين لأنهم من خلاله يكتشفون ويرونَ بأعينهم ويسمعون بآذانهم حقيقة سلوكهم التربوي السلبي ونوعية علاقاتهم الديكتاتورية مع الأطفال. بل أجد هذا السيتكوم فرصة تربوية وأنصح كل الآباء بـمشاهدته من زاوية إيجابية، و ممارسة مشاورة التقييم بين الآباء والأطفال و على ضوئها إعادة النظر في مناهجهم التربوية بحيث يتمكن كل فرد داخل الأسرة (صغير أم كبير) يعبر عن رأيه بكل حرية حول كل حلقة ثم يتساءلون جميعا هل هم كذلك على نسق “سبار” أو مثل “إسراء”؟


نشرة إنذارية: رياح قوية مرتقبة ليومين متتاليين بعدد من المدن المغربية

whatsapp تابعوا آخر الأخبار عبر واتساب






انضم إلينا واحصل على نشراتنا الإخبارية




زر الذهاب إلى الأعلى